"تطبيع العلاقات بين المملكة السعودية و(إسرائيل) يندرج ضمن المصالح الأمنية للولايات المتحدة، إن لدى الولايات المتحدة مصلحة فعلية على صعيد الأمن القومي في إرساء تطبيع بين إسرائيل والسعودية".
هذا التصريح جزء من تصريحات (بلينكن) وزير خارجية أميركا أمام مؤتمر (لأيباك) المنظمة التي تمثل اللوبي الصهيوني الأقوى نفوذًا في أميركا.
مجموع السياسات الخارجية التي طرحها بلينكن أمام أيباك تستحق الوقوف عندها وتحليلها، لأنها ترسم خريطة أميركا الإستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط، وتركز على ما يخصّ إسرائيل، وهو ما سنحاول مقاربته لاحقًا، إذ يهتم مقال اليوم بتصريح بلينكن بشأن التطبيع بين (إسرائيل ) والمملكة، إذ زعم أنه جزء من الأمن القومي الأميركي، وهذا زعم غريب، فما علاقة السعودية بالأمن القومي الأميركي، والسعودية دولة بعيدة جغرافيًا عن أميركا، وبعيدة عنها ثقافيًا وعقديًا، وهي ليست جزءًا من حلف عسكري مع أميركا أو الناتو، ولأميركا مشاكلها، وللسعودية اهتمامات ومشاكل مختلفة عنها.
السعودية ليست قضية أمن قومي أميركي، ولكن (إسرائيل) هي قضية أمن أميركي، لأن أميركا قالت يومًا لو لم تكن (إسرائيل) موجودة لكان من الواجب على أميركا إيجادها، وهي تنظر لها كحاملة طائرات ثابتة لا تغرق في البحر، وقاعدة متقدمة لنفوذها في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ومخزنًا للذخيرة والسلاح لحين الضرورة، وقد استثمرت فيها أميركا مليارات لا تعد من الدولارات، وتوشك أن تتماهى ثقافة (إسرائيل) وقيمها مع الثقافة والقيم الأميركية.
لو قال (بلينكن) إن (إسرائيل) قضية أمنٍ قومي لأميركا لكان دقيقًا فيما قاله، ولكنه ترك المنطق الدقيق ليحقق (لإسرائيل) ضغطًا على السعودية لتحقيق الأمن (لإسرائيل)، وبهذا يكسب تأييد أيباك له ولبَايدن، وكلاهما لا يحملان ودَّا حقيقيَا للمملكة، ولكنهما يعملان على ما تريده (إسرائيل)، هذا، وأعتقد أن قيادة المملكة تعي هذه الإستراتيجية بشكل جيد، وتبحث عن مصالحها بحثًا جيدًا أيضًا، وأمن المملكة فيما أحسب ليس في التطبيع مع (إسرائيل)، وليس في الرضوخ للضغوط الأميركية، ولكن في اتخاذ سياسة وطنية عربية إسلامية، حيث هنا في هذه الساحة الواسعة تجد المملكة أمنها القومي.
أميركا وإن كانت قوية وذات نفوذ في الشرق الأوسط، إلا أنها ستدير ظهرها للمملكة عند أول امتحان ذي مغزى.