يراقب الاحتلال من كثب المناورات العسكرية التي يجريها حزب الله في الجبهة الشمالية، بعد أن أعلن الحزب أن المناورة تأتي في سياق فحص الجهوزية وتأمين خطوط الدفاع والهجوم على الحدود اللبنانية، في ظل ذروة التوتر التي تشهدها المنطقة، ولا سيما بعد قرارات الحكومة الصهيونية المتعلقة بترميم صورة الردع على كل جبهات القتال، وبعد أن فقد الاحتلال عنصر التحكم والسيطرة على مفاصل العمل العسكري في غزة وفشل في تحقيق أيٍ من أهدافه التي تتعلق بذلك، وبالتحديد بعد معركة سيف القدس 2021 التي واجه خلالها الاحتلال كمًا هائلًا من التحديات على المستوى التكتيكي النوعي وعلى مستوى الخطط العملياتية الشاملة التي أعدتها المقاومة في قطاع غزة، التي أفقدت الاحتلال عوامل القوة وأدخلته في معادلة توازن الرعب التي تفوقت بها إرادة المقاومة على قدرات الاحتلال القتالية، وهو ما اعترف به قادة الجيش والمنظومة الأمنية الصهيونية بعد وقف إطلاق النار.
تتعلق مناورات الحزب بأساليب قتال نوعية، والعمل على توسيع مساحة المواجهة لتشكيل قوس ناري للإطباق على قوات الجيش الصهيوني، إذ تساعد الأرض عناصر حزب الله في تنفيذ عمليات هجومية خاطفة بتكتيك لم تكشف عنه قيادة الحزب خلال المناورات، باعتباره أحد الأنماط القتالية التي ستُفاجئ جيش الاحتلال، وتضع أمامه خيارات محدودة تتعلق معظمها بالعودة إلى خطوط الاستماتة الدفاعية التي تحاول قيادة جيش الاحتلال ألا تصل لهذه المرحلة التي تتنافى مع مبادئ نظرية الأمن القومي الصهيوني والتي تدعو لمواصلة القتال خارج خطوط السيطرة الدفاعية الذاتية، وأن يكون التركيز على نقل العمليات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن الهدف من وراء هذه الإستراتيجية هو تأمين خطوط السيادة والسيطرة على المدن المحتلة وعدم السماح بأن تكون في مرمى النار، أو أن تتعرض لهجوم بري من خلال اقتحام عناصر المقاومة للمستوطنات والبلدات الحدودية والسيطرة عليها، وبالتالي يفقد الاحتلال أهم مرتكزات السيطرة في جولة القتال.
وبالتزامن مع ما يجري في الشمال بدأ الاحتلال بمناورة عسكرية شاملة أطلق عليها "اللكمة القاضية" كجزء من مرحلة التحضير لإمكانية الدخول في مواجهة مع إيران وحزب الله في آنٍ واحد، حيث صرحت أجهزة أمن الاحتلال وقيادة جيشه أن هناك حالة من الاستعداد الكبير تجري على قدم وساق للرد على أي هجوم مفاجئ من إحدى جبهات القتال، في حين عزا وزير الجيش "غالانت" لقواته بمواصلة التحرك لمهاجمة خلايا المقاومة الفلسطينية والتركيز على الاستهداف المباشر للعناصر الميدانية في الضفة، باعتبارهم حلقة قوة تساهم في الإطباق على عنق الاحتلال خلال أي مواجهة شاملة، وهو أحد السيناريوهات التي أعدها الجيش للحد من الخسائر البشرية التي يمكن أن تلحق به مستقبلاً.
تبقى عوامل امتلاك الضربة الاستباقية تراوح مكانها، لأن الخشية لا تزال تمثل تحديًا أمام الاحتلال وأمام حزب الله، الذي بات يمتلك الثقة بقدراته العسكرية وإمكانية نجاحه في امتلاك عنصر المباغتة، لأن المؤشرات تؤكد أن هناك تعادلاً وقد يكون تكافؤ بين الفريقين نحو قدرتهما على امتلاك فرصة الضربة القاضية، لذا من المهم التساؤل عن دور المجتمع الدولي والولايات المتحدة أمام هذا السيناريو الخطير الذي يهدد وجود الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط، كذلك يهدد محور المقاومة، فالحرب هنا لن تكون تقليدية أو تأخذ الطابع الذي يمكن السيطرة عليه، بقدر كونها معركة تحطيم أنظمة وتغيير خرائط سَئِم منها الفلسطينيين وتوقف عندها التاريخ.