كغيرهم من الشعوب العربية، فرح الفلسطينيون كثيرًا بفوز أردوغان، وضجت محطات التواصل الاجتماعي بالتهنئة والتبريكات لطيب رجب أردوغان، الذي فاز في انتخابات ديمقراطية، تحت بصر وسمع ومراقبة كل العالم.
لقد حظيت الانتخابات التركية باهتمام الفلسطينيين جميعهم، وتابعوا تداعياتها ونتائجها، وكأنها تجري على أرض القدس، وكأنها انتخابات فلسطينية، وقد تعصبت الغالبية العظمى من الفلسطينيين لأردوغان، بشكل فاق تعصب أنصار حزب العدالة والتنمية التركي، حتى أن باحات المسجد الأقصى ضجت بهتاف وتكبير الفلسطينيين لمجرد الإعلان عن فوز أردوغان، وترددت في جنبات المسجد الأقصى صيحات الفلسطينيين: الله أكبر، خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود.
هذا الربط الوثيق بين تحرير المسجد الأقصى، وفوز أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية؛ له ما يبرره في الوجدان الجمعي الفلسطيني، ففي شهر نوفمبر من سنة 1917، انتهى الحكم العثماني لفلسطين، لتبدأ مرحلة الاستعمار البريطاني، وتوطين اليهود، على حساب حياة الشعب الفلسطيني، ومستقبله السياسي، هذا العمق التاريخي والحضاري للصراع على أرض فلسطين، هو المحرك لمشاعر الفلسطينيين، وهو الذي أيقظ لديهم الذاكرة، بأن انتصار أردوغان هو انتصار لفكرة الخلافة العثمانية، وهزيمة لمشروع العلمانية، وانتصار أردوغان هو انتصار لفلسطين الإسلامية العربية، وهزيمة لمئة سنة من التراكمات الاستعمارية، التي انتزعت تركيا من حضارتها الإسلامية، وجعلت منها مكملًا غذائيًا للمشروع الاستعماري والصهيوني.
اهتمام الفلسطينيين بنتائج الانتخابات التركية جزء من اهتمام الشعوب العربية والإسلامية بهذه الانتخابات التي فاق الاهتمام بها الاهتمام بنتائج الانتخابات الأمريكية، لتتميز الانتخابات التركية بالتعصب لأحد المرشحين إلى حد الانقسام، والذي يرجع إلى المواقف السياسية لكل طرف، ليقف كل من دار في فلك أمريكا وإسرائيل ضد نجاح أردوغان، ويقف كل من دار في فلك العلمانية، والمثلية الجنسية، والتبعية للغرب، والغدر باللاجئين الضعفاء مع كمال كليدار أوغلو، وفي المقابل، اصطف كل من حلم بتنقية الشرق من الغزاة، ومن الغرباء، ومن الطغاة، إلى جانب أردوغان.
الانتخابات التركية لم تنته بفوز أردوغان، لقد بدأ التنافس بين تيارين سياسيين، ومنهجين فكريين بشكل أكثر جلاءً ووضوحًا بعد ظهور النتائج، وفوز أردوغان، فأصحاب نهج التخريب والتدمير لبلاد الشرق، أولئك الذين يدورون سياسيًاً في فلك أمريكا، لن يكفوا عن التآمر على تركيا، والسعي لإفشالها، فهم يخشون من انعكاس التجربة التركية على المنطقة، إنهم يخافون من انتقال التجربة، ومن تأثيرها الإيجابي على شعوب الشرق، وهي تسعى لمحاكاة التجربة التركية في الديمقراطية والنهوض والحرية.
انتخابات تركيا الديمقراطية، وفوز أردوغان ستحرض العرب عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا للمطالبة بحقهم في إجراء انتخابات ديمقراطية للرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، كأقصر الطرق لإنهاء الانقسام، وتثبيت المنهاج السياسي المقاوم للاحتلال، والمعادي للدكتاتورية والتفرد بالسلطات.