حتى اللحظة لا يصدق الحاج أمين الزغير أنّ ابنه محمد أسيرٌ لدى الاحتلال الإسرائيلي، بسبب الوضع الصحي بالغ الصعوبة الذي يعيشه منذ عشرين عامًا.
تعود حكاية محمد (30 عامًا) إلى عام 2000م حين نزل صاروخ إسرائيلي بالقرب منه وهو يلهو قرب سيارة والده المتوقفة أمام المنزل ليحرق جسده كاملًا ويدخل العناية المركزة لمدة سبعة شهور ظنّ معها ذووه بأنه لن يخرج منها حيًّا.
شاءت الأقدار أنْ يستفيق محمد من غيبوبته ليدخل في دوامةٍ لا نهاية لها من الألم والمعاناة بسبب الحروق التي تآكلت معها أطرافه و90% من جلده، حتى أنها استلزمت رحلة علاج طويلة، إذ أجرى حتى اليوم قرابة مئة عملية جراحية وما زال يحتاج لعملياتٍ أخرى.
حادثة إصابة محمد الابن الأوسط لأسرته قلبت حياة ذويه رأسًا على عقب فهم منذ عشرين عامًا لا يفارقون المستشفيات إلا النذر اليسير، ما بين سفرٍ للعلاج بين مصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وما بين متابعةٍ شبه يومية في مستشفيات الخليل إذ تقيم.
يقول والده بأسى: "محمد يحتاج لدهون وكريمات يوميًّا، إذ يعاني تقرحات دائمة ولإبر يحقن بها في المشفى يومًا بعد يوم، ولا يستطيع العيش بدون العناية الطبية، لقد صدمنا اعتقال الاحتلال له فهو أمرٌ لم نتوقعه بتاتًا".
حرموه حقوقه
ويضيف: "ماذا يريدون من شابٍ مريض هدموا حياته بصاروخهم، وحرموه من إكمال تعليمه فهو منذ عشرين عامًا يتنقّل بين المشافي؟ والآن يريدون أن يقتلوه بوضعه في مشفى الرملة سيء الصيت، الذي يلقى فيه الأسرى المرضى معاملةً لاإنسانية وإهمالًا طبيًّا متعمدًا".
ويُشير إلى أنّ محمد استغرق أكثر من سبعة أعوام من العلاج حتى تمكَّن من المشي بعد إصابته بالحروق، فقد في أثنائها أهم حقوقه وأبسطها في اللعب والتعليم، وأمضى حياته باحثًا عن علاج يُخفّف آلامه وتعينه على مواصلة حياته.
ويلفت إلى مساعيه لمقاضاة جيش الاحتلال، لكنّ محاكم الاحتلال الإسرائيلية ردّت القضية عام 2009 بزعم أنّ الجيش كان في حالة حرب.
وما يزيد قلق الأب أضعافًا مضاعفة أنه منذ اعتقال نجله محمد في التاسع من مايو من الشهر الجاري وهم لم لا يعرفون عن حاله شيئًا، وبالرغم من تواصلهم مع المؤسسات الحقوقية الدولية إلا أنّ الاحتلال لم يسمح بزيارته أو إدخال أدويته.
أما والدة محمد "أم عبد الرحمن الزغير" فلا يزال مشهد اعتقال الاحتلال لابنها لا يفارق خيالها إذ اعتدوا عليه بالضرب بعد أن عجز عن الركوب وحده في مركبتهم العسكرية، "ابن محمد الأكبر عدي في الصف الخامس يبكي كل يوم وهو يتذكر مشهد ضرب الاحتلال لأبيه، فيتقطع قلبي ألمًا على حفيدي وابني المريض الذي أخشى على حياته".
وتضيف بأسى: "محمد يحتاج لعناية بالغة، وبالرغم من أنه تزوج وأنجب أربعة من الأبناء إلا أنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه تمامًا، فابنه عدي حاليًّا بمثابة عكازه ويده اليمين، هو من يوصله في مشاويره".
وتتابع: "محمد ملازمٌ للمشفى تقريبًا وبالكاد يخرج منها. ليلة اعتقاله كان مريضًا وكنا نسهر على العناية به، ولم يراعوا وضعه الصحي أبدًا، رغم أنهم السبب الأساسي فيما يعانيه. إنهم لا يعرفون الإنسانية".
وتبدي الزغير قلقها البالغ على حياة ابنها، "لم نره سوى في المحكمة ومن بعيد، بدا متعبًا ومرهقًا ولم نستطع التحدث معه، أو معرفة المعاملة التي يتلقاها في سجون الاحتلال".
منع من العلاج
وتزيد بالقول: "ألا يكفي أنهم يحرمونه من متابعة علاجه في الخارج، فمن فترة قصيرة كان والده يريد الذهاب به إلى مصر إلا أنهم أبلغوه أنّ محمد ممنوع من السفر. هذه أول مرة يمنع فيها من السفر للعلاج، دون إبداء الأسباب".
أما محامي نادي الأسير أمجد النجار، فاستنكر اعتقال محمد الذي لا يزال بحاجة إلى مزيد من العمليات والعلاج والمتابعة الصحية، قائلًا: "بدلًا من محاكمة الجيش على الجريمة التي ارتكبها بحقه وهو طفل لا ذنب له، ها هو يعتقل ويحاكم على قضية غير معلومة. نحن أمام احتلال لا يأبه لحالته النفسية ولا الصحية، في ظل حاجته للعلاج والأدوية ولمزيد من العمليات الجراحية”.
وذكر أنّ المحامين الذين زاروه في سجنه، صدموا عندما رأوا جسده وحالته، مشددًا على أنّ كل ساعة يمضيها محمد في السجن دون أن يتناول أدويته فإنها تزيد من معاناته وتقرُّحاته وتعذيبه الجسدي والنفسي.