يعيش الفلسطيني كفاح زيدان (37 عامًا) في محمية طبيعية أشبه ما تكون قطعة من الجنة بحسب وصفه، غير أنه يواجه خطر الترحيل والزحف الاستيطاني الإسرائيلي نحو الغابة.
زيدان يعيش في وادي قانا الواقع بين محافظتي سلفيت وقلقيلية شمالي الضفة الغربية المحتلة، يقول في أثناء رعيه قطيعًا من الأغنام في الوادي: "الحياة هنا أشبه بالجنة لكن الاحتلال يحولها إلى جحيم".
يقول زيدان ذلك وعين على قطيعه والأخرى ترقب قمم الجبال حيث المستوطنات الإسرائيلية التي تسرق الأراضي الفلسطينية المحتلة في المنطقة.
وتحولت قمم جبال المحمية الطبيعية إلى مستوطنات، إذ جرف الاحتلال الغابات واقتلع أشجارها ونباتاتها وهجر حيواناتها وحل مكانها بيوت من الإسمنت المسلح والقرميد، وفق زيدان.
يضيف زيدان: "نمنع من الاقتراب من المستوطنات، وفي كل يوم تتمدد أفقيًا لتلتهم أكبر مساحة من الأراضي، عدا عن منعنا من استصلاح أراضينا وزراعتها، والرعي في كثير من المواقع" بذريعة أنها محمية طبيعية لكن في المقابل تبنى فيها البيوت للمستوطنين.
وأكد الفلسطيني زيدان، الذي يملك 350 رأسًا من الأغنام ويعيش في بيت من الحجارة والصفيح، أنه ولد في المحمية ولن يتركها كما والده وجده، لافتًا إلى أن سلطات الاحتلال هدمت أكثر من مرة سياجًا وبيوتًا من الصفيح تملكها أسرته.
أوسلو تبدد المحمية
وإلى جوار زيدان تسكن عشر عائلات فلسطينية تعتمد على تربية الأغنام وزراعة الزيتون والحمضيات والحبوب.
وتقدر مساحة المحمية بـ10 آلاف دونم، تضم عدة جبال يتوسطها وادي تنبع منه 10 عيون مياه صالحة للري والشرب وري المواشي، وتكسو الجبال أشجار حرجية كالبلوط، في حين تنتشر بيارات البرتقال وحقول الزيتون والفواكه على جنبات الوادي.
وتقع المحمية في المنطقة المصنفة (ج)، وفق اتفاق أوسلو الثاني 1995 المشؤوم، الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال.
وتمنع سلطات الاحتلال البناء أو استصلاح الأراضي في المناطق المصنفة "ج" دون تراخيص، والتي يُعد من شبه المستحيل الحصول عليها، حسبما يقول المواطنون.
وصنفت اتفاقية أوسلو 2 أراضي الضفة 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة السلطة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
منذ العهد العثماني
وفي أرض على جنبات الوادي يملك الفلسطيني نصار منصور 10 دونمات مزروعة بالحمضيات الفواكه.
يجلس نصار تحت شجرة ليمون، يرتشف قهوته وهو يقول: "هنا ولدنا ومن قبلنا أجدادنا، ولن نخرج منها مهما فعل الاحتلال"، مشيرًا إلى أن جده ولد في المحمية، وسافر محاربًا في الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، في إشارة إلى ملكية الأرض منذ ذلك الزمن.
ونصار مليء بالحكايات لكنه يقول: إن الاحتلال يسعى بكل السبل لإخراج العائلات من وادي قانا، والاستيلاء على المحمية والأراضي الزراعية فيها لصالح مشاريع استيطانية.
ويذهب الرجل إلى تقديس أرضه بالقول: "الأرض مقدسة، وتأتي قدسيتها بعد المقدسات الدينية"، مشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال اقتلعت أشجاره عدة مرات، غير أنه أصر على إعادة زراعتها.
وأردف نصار الذي يعيش وزوجته وأبناؤه في المكان: "يمكنني في حالة واحدة ترك المكان، عندما أموت فقط".
ويمتلك سكان بلدة دير استيا بمحافظة سلفيت أراضي واسعة في الوادي تقدر بـ10 آلاف دونم، تزرع في غالبيتها بالزيتون والحمضيات، وأخرى مزروعات حقلية كالقمح والشعير وغيرها.
وتعد وادي قانا بحسب نافذ منصور رئيس جمعية حماية وادي قانا منطقة طبيعية وسياحية وزراعية.
ولد منصور في الوادي وهو اليوم طبيب أسنان، ويسكن في بلدة دير استيا القريبة من الوادي، مشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال حولت الوادي إلى محمية طبيعية عام 1983 لدوافع استيطانية بحته، تحت ذرائع بيئية.
ولفت إلى أن الوادي كان يعج بالسكان، ويعد سلة غذائية للمنطقة، تزرع فيه الخضار والفواكه والحمضيات، وفيه مساحات واسعة كمراعٍ، لكن الاحتلال قرر الاستيلاء على الموقع، ومنع استصلاح الأراضي وزراعة الأشجار، وما زرع منذ ذلك الحين كان بقوة وإرادة السكان الذين يملكون أوراقًا رسمية في أراضيهم.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تزعم أنه يمكن السماح للزراعة أو أي نشاط بشرط الحصول على تصريح خاص من الجهات الرسمية، وهو الأمر المستحيل، مردفًا أنها تدعي أن المنطقة محمية طبيعية وتمنع البناء أو استصلاح الأراضي لكنها حولت قمم الجبال إلى مستوطنات، تجرف الأشجار من أجل شق الشوارع والبناء ومد خطوط المياه والصرف الصحي والكهرباء.
وأضاف أن 10 عائلات فلسطينية تسكن الوادي في بيوت شيدت منذ العهد الأردني وأي بناء جديد يهدم.
وتخضع المنطقة للمراقبة الحثيثة من سلطات الاحتلال وسلطة حماية الطبيعة التابعة لها.
وأشار منصور إلى أن الوادي يعد متنفسًا سياحيًا للمواطنين، وفي أيام الجمعة والسبت عادة ما يعج بآلاف السياح، يعكر صفوهم جنود الاحتلال ومستوطنون يحملون السلاح.