فلسطين أون لاين

تبعات مسيرة الأعلام لم تتبدّد بعد

صحيح أن مسيرة الأعلام الاستفزازية التهويدية مرّت، وأظهر الاحتلال حالة من النشوة وهو يسيّرها، بالرغم من حالة الاستنفار التي أبدتها قواته الأمنية، لكنه ما زال يجري سلسلة من الاختبارات لفحص مدى جاهزية جبهتها الداخلية لمزيد من التحديات الأمنية والعسكرية المرتقبة في المرحلة القادمة.

وصحيح أن غزة لم تخض مواجهة عسكرية على غرار سيف القدس، لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة، ولا سيما أنها خارجة لتوّها من عدوان إسرائيلي غاشم، لكن الاهتمام الإسرائيلي بتبعات المسيرة ما زال قائمًا.

مع العلم أن تقييم الوضع الإسرائيلي قبل انطلاق مسيرة الأعلام خلص إلى نتيجة مفادها ضرورة تسييرها، وعدم تغيير مسارها، لأن أي تغيير سيرسل رسالة قد تلحق الضرر بردع الاحتلال، الذي وصل إلى وضع مختلف عما كان عليه في السنوات السابقة، خاصة وأن مايو 2021، تزامن مع حدث وتاريخ حازا على نسبة كبيرة من الحساسية والتوتر، أولاهما شهر رمضان، وثانيهما قرار محكمة الاحتلال بإخلاء منازل الفلسطينيين بحيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة. 

في الوقت نفسه، خشي الاحتلال من ترسيخ مقولة أن المقاومة هي الوصيّة على القدس والأقصى، وهي منذ ذلك الحين لم تتخل عن هذا الدور التاريخي والأخلاقي والوطني، وما زالت تتمسك به رئيسيًا حتى لو كان، مؤقتًا، على المستوى التصريحي، لكنها لحساباتها تؤجل المواجهة مع الاحتلال، مع أن هدوءها النسبي الأخير في يوم مسيرة الأعلام أثار تساؤلات عديدة لدى الاحتلال، الذي أجرى جولة سريعة عبر مواقع التواصل، وأظهرت له أن خطاب المقاومة الحالي، وعلى عكس السنوات السابقة، أكثر هدوءًا وأقلّ حدة. 

وبين ترقب الإسرائيليين للردّ القادم من غزة على مسيرة الأعلام، وهي التي لم تتأخر يومًا عن واجبها، وبين عدم التحرك الشعبي من القدس والضفة المحتلتين، الذي ظهر جليًا مشرّفًا في جولات سابقة، فإن هناك هوامش كان يمكن العمل عبرها ردًّا على الاستفزاز الإسرائيلي الأخير، لأنه في الوقت الذي كان فيه مشهد المستوطنين مستفزًّا وحزينًا لكل فلسطيني وعربي ومسلم وحرّ، فقد جاءت الردود الجماهيرية المتواضعة بذات الحزن والإحباط.

الخلاصة أن القدس قدسنا والأقصى مسجدنا، ولا مجال لأحد أن يتراجع عن دوره في صدّ مخطط الاحتلال لتقسيمه، لكن هذا المخطط سيمرّ بمراحل طويلة، وليس منطقيًا أن تبادر غزة في كل مرحلة لخوض حرب، صحيح أن الأقصى يستحقها، لكن مثل هذه الحروب كفيلة بإغفال الأدوار الأخرى، وعلى رأسهم الدور الشعبي الجماهيري والحشود التي تواجه قطعان المستوطنين القادمين من كل حدب وصوب، هنا تطرح الأسئلة عن هذا الغياب، ومسؤولية من؟ ولماذا لم يتم تحضيرها مسبقًا ردًا على استفزاز الاحتلال بمسيرة أعلامه!