ظهرت إلى السطح في المدة الأخيرة قضايا توظيف الأموال، وما خلفته من ضرر بالغ على عديد المواطنين الذين يقدر عددهم بآلاف الضحايا، وذلك بعض الاستيلاء على أموالهم بزعم توظيفها في استثمارات مرتبطة بالأسهم والسندات وأسواق المال أو التجارة السريعة ومجالات أخرى.
وبالرغم من أن بعض الضحايا الشاكين قد حصلوا على أرباح متفاوتة لفترات زمنية مختلفة، توقف السداد أو توزيع الأرباح الموزعة أو الامتناع والتهرب من رد أصل رأس المال للبعض الآخر، لتجد الجهات المختصة نفسها أمام مسؤولية مراجعة وضبط أوضاع هذه الشركات وإحالة بعضها إلى جرائم الأموال والنيابة العامة للنظر فيها، ولا سيما أنه في واقعة واحدة مقيدة من هذه القضايا تجاوزت المبالغ الموظفة فيها مبلغ 30 مليون دولار لعدد يقارب ستة آلاف مواطن.
مما لا شك فيه أن وجهة النظر في معظم جرائم النصب والاحتيال بقضايا توظيف الأموال تنطوي على قاعدة الرغبة في تحقيق الربح السريع المبني على جهل المواطن في أحيان كثيرة -في ظل الفرص الاستثمارية المحدودة وهامش الفائدة الكبير على أصل المبلغ المدفوع- ورغبة صاحب الشركة/ العمل في مستوى من الترف المعيشي المميز حتى لو كان في سياق الاحتيال والغبن للضحايا، التي في أصلها ترتكز على الاعتبار الشخصي بين الجاني والضحية، ويبعث على اطمئنان الأخير فيسلم المال بناء على تلك العلاقة.
ولعله من المفيد أن نذكر أنه حسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر عام 2021 حول جرائم الاحتيال والتزوير المبلغ عنها في فلسطين حسب نوع الفعل الإجرامي والمحافظة لعام 2020 أن هذه الأفعال بعمومها شكلت ما نسبته 90% في قطاع غزة، مقابل 10% في الضفة الغربية في حين شكلت نسبة جرائم النصب والاحتيال من إجمالي هذه الجرائم 53% بما يعادل 4833 قضية. في حين كانت النسبة 39% في الضفة الغربية بإجمالي 671 قضية.
هل هناك بالفعل استثمارات تدرّ أرباحًا سريعة في قطاع غزة؟
في حقيقة الأمر لا يمكن الجزم بأن مبدأ توظيف الأموال في قطاع غزة هو على أساس مدروس أو أرضية مؤسساتية سليمة، خصوصًا إذا كان المبدأ تحصيل فوائد وأرباح سريعة وخسائر شبه معدومة، وإذا تحدثنا عن أوضاع بلد مغلق ومحاصر، وهنا نجد أنفسنا أمام حالة من الاستثمار الوهمي غير الحقيقي والمشبوه بأبعاده الكارثية على المدخرات ومن ثم على الاقتصاد الكلي، ويكون ذلك لعدة أسباب أهمها أنه:
• افتقار المبادرين في هذه الشركات والمشاريع إلى أي خبرة في توظيف الأموال واستثمار الأوراق المالية والعملات الرقمية، خصوصا على المستوى الدولي (التي لها أصولها الناظمة في كل دول العالم).
• حسب المعلومات لا توجد شركة أو فرد حاصل/ة على ترخيص جهات الاختصاص، وتحديدًا وزارة الاقتصاد الوطني بشأن السماح له/ا بتوظيف الأموال أو الاستثمار المالي في العملات الرقمية والأسهم والسندات الدولية.
وهنا حري بنا التوضيح أنه في بيئة محاصرة كقطاع غزة تعاني ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة وهشة ضرورة الأخذ بمتغيرات أهمها: درجة المخاطرة، وفترات الاسترداد، ومحدودية السوق المحلي، والتصريف وخطوط الإمداد ... إلخ (وما يرتبط بها من تعقيدات)، وعليه تؤثر هذه العوامل مجتمعة مباشرة في درجة ربحية المشاريع باختلاف أنشطتها. في المجمل يمكن القول إن المشاريع المربحة في بلد محاصر يمكن أن تتنوع رغم التحديات، إلا أن الطبيعة الأكثر شيوعاً لهذه المشاريع قد تكون تتناول تلبية الاحتياجات الأساسية، والتكيف مع الظروف المفروضة، واستغلال الموارد المحلية بشكل فعال ومستدام.
كيف أتجنب الوقوع في الفخ؟
ولا يفوتنا أن ننبه على أن النظام الفلسطيني نظم عمل الشركات والمؤسسات المالية، ولا سيما المتعلق بالشفافية والتدقيق والتزامات المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية، مثال ذلك نص المادة الرابعة من قانون رقم (9) لسنة 2007م بشأن مكافحة غسل الأموال وتعليمات رقم (6) لسنة 2013م بشأن الإدارة والتدقيق في شركات الأوراق المالية، الصادر عن مجلس إدارة هيئة سوق رأس المال.
ولكن هنا نقف أمام إشكالية الجهل المقترن بالرغبة الجامحة في تحصيل المزيد من الأرباح دون تكبد أي عناء أو خسائر. وعليه من المهم توخي الحذر قبل الانخراط في أي مشاريع مالية. فضلا عن استشارة أهل الاختصاص من الاقتصاديين والقانونيين يمكن للمواطن أن يستكشف ببعض الاستفسارات البسيطة زيف هذه الشركات والعاملين بها والمروجين لها وادعاءهم المعرفة والخبرة والقدرة على توظيف الأموال ومدى التزامهم الشفافية والمصداقية في العمل:
• هل الشركة تفصح عن طبيعة نشاطاتها وحساباتها الختامية وموازنتها المالية؟
• هل تتوافر التراخيص اللازمة لممارسة النشاط المالي؟
• ما طبيعة الاستثمارات ونطاقها، ونوع وأسعار الأسهم، والشركاء، ونوع السوق المالي، والوسطاء الماليين، وغير ذلك؟
• هل تكبدت الشركة أي خسائر مالية نتيجة استثماراتها، وهنا غالبًا ما يرد صاحب الشركة بالنفي أو تحديد نسب ضئيلة للخسارة مع تأكيد تحصيل الأرباح؟
• الاطلاع على العقود والتأكد من صلاحيتها القانونية والشرعية والاقتصادية.