(إسرائيل) الكبرى، ذات الأذرع الممتدة في قواميسها ونواميس سياساتها، منذ أن احتلت عصاباتها الصهيونية أرض فلسطين، وبدأت بتهجير أكثر من تسعمائة وخمسين ألفًا من المواطنين الفلسطينيين، أصحاب الأرض والهوية، والتاريخ، أصحاب الرواية الحقيقية، التي لم تتغير بين صفحات التاريخ التي نقلت الشواهد والأدلة على ارتكاب الاحتلال المجازر والقتل الجماعي، وتدمير الممتلكات أمام مُشرّعي القانون في العالم، العاجزين عن التصدي لتلك العصابات التي أفسدت كل شيء، وخرقوا كل القيم والأعراف باستعلائهم في الأرض، وحصولهم على دعم القوى العظمى في الغرب (أمريكا، وبريطانيا)، ومن قبلهم الحركة الصهيونية العالمية المتطرفة التي أنشأت المنظمات اليهودية في معظم أنحاء القارة العجوز وأمريكا اللاتينية، والتي تدعم الاستعمار في مناطق الصراع العربي- الصهيوني، لأن تلك المنظمات ما أُنشئت إلا معاداةً للإسلام والشعوب العربية، وما حصل في ما يسمى "الربيع العربي" ليس ببعيد.
حلم "إسرائيل" أن تفرض سيادتها بين الخطين الأزرقين، وتشكل قوة عظمى في أدنى الأرض ومشارقها، وتفرض سيادتها على شعوب الأمة، وأنظمتها، وأن توازن بين العمل الصامت الذي تجر من خلاله المنطقة لحروب وصراعات دامية ودائمة، ونزاعات طائفية وعرقية، وبين دبلوماسيتها الظاهرة التي حيّرت الكثير من زعماء المنطقة، وجعلتهم أسرى في يد النفوذ الصهيوني في المنطقة، تحت ما يسمى "التطبيع"، بل وجعلت التماهي مع سياساتها وأيديولوجيتها نمطًا رئيسًا يسلكه البعض ممن وقعوا اتفاقات سلام، أو استسلام، ليصبحوا غارقين بين حلم "إسرائيل" وأهدافهم التكتيكية التي باتت كسراب ممتد نحو سنين طويلة، لن يتحقق منها شيء، ولن يحصلوا على أي ثمن مقابل تنازلاتهم، التي تُعد في قوانين العنصرية الصهيونية الثمن الذي يُجبى قسرًا، دون أي استحقاق يلتزم به الاحتلال.
وما بين (75) عامًا من القتل والتشريد والدمار، ومحاولات الاحتلال في استنزاف الإرادة الفلسطينية، وتفكيك البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وتقييد حريته، ومنعه من أدنى حقوقه المشروعة، وتمزيق وحدته الوطنية، ومحاولات إفشاله في كل مرحلة تشهد تقاربًا سياسيًا ووطنيًا بين مكونات الشعب الفلسطيني، فشل الاحتلال وحكومته اليمينية في استئصال العرق الفلسطيني من أرض تخضبت بالدماء الطاهرة، فكانت حبلى بالحديد والنار، وبسواعد الرجال والحرائر والأحرار، حُبلى بأنفاس الحرية، ونسائم الانتصار، وبزوغ الفجر الذي يتسلل بين خيوط الظلام، ليضيء الكون بأقمار الشهداء، ونجوم السماء التي تتلألأ فوق الراجمات، وترسم لوحة عز ومجد تليد.
تبخر حلم "إسرائيل" بين الفرقان، والعصف المأكول، وحجارة السجيل، وسيف القدس، وثأر الأحرار، ومعارك وبطولات رجالنا في الضفة، الذين يخوضون ملاحم ومعارك ممزوجة بعنفوان الفتوّة، وإرادة البواسل، في كل حي، وشارع، وزقاق، يحتضن صورة شهيد، ويمضي على وثيقة المقاومة.
تبخر حلم الكيان المزعوم، أمام أمناء السيف الذين رسموا خريطة جديدة للوطن، ودكوا حصون العدو في ليلة وضحاها، بعد أن جاء قادة الإرهاب في الدولة المارقة وهم يحملون بقايا حلمهم ليشيّدوها في الأقصى، بعد اعتدائهم على الحرائر، واستباحة طُهر القدس وباحاتها، وهم يعلمون أن كل هذه المحاولات لن تنال حظًا في بناء هيكلهم المزعوم الذي أطلقوا عليه في مسيرة أعلام التسكع "بيت الله العالمي"، التي خطوها باللغة العربية، ليعلنوا أمام الأمة أن الحرب على القدس والأقصى هي حرب دينية استعمارية لا حدود لها.
أما عن تلك الشواهد التي بددت حلم "إسرائيل" هي تلك التي أفشلت العدو من فرض إرادته وتكريس قواعده ونظرياته في غزة والضفة والداخل المحتل، وفرضت طوقًا على أربعة ملايين مستوطن، فروا إلى الملاجئ، وعلى رأسهم قادتهم، الذين أداروا المعركة وللمرة الأولى في مواقع وبنايات محصنة، يحتمون بها من صواريخ المقاومة التي لا تزال تبدد حلمهم وتقضي على بقايا مستقبلهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب في مسيرة ما تسمى "الأعلام"، وجنّدوا لها عشرات الآلاف من عناصر الأمن، ووقفت حكومتهم تراقب الساعة تلو الساعة، وهم يأملون لحظة أمن تصيب قلوبهم التي تمزقت بالخوف والرعب والهروب من الحقيقة التي يخفونها عن شعبهم الذي لا مفر أمامه إلا الهروب من الموت.