فلسطين أون لاين

مقاربات فلسطينية لـ"أرشيف صهيوني"

"الحداثة الآنية" لـ(إسرائيل) يستكشف آليات محو الهوية معماريًّا

...
غزة-رام الله/ فاطمة الزهراء العويني:

بالتزامن مع الذكرى الـ75 للنكبة، تآلفت أعمال 45 فنّانًا ومخرجًا وكاتبًا وأكاديميًّا فلسطينيًّا وعربيًّا وعالميًّا للتصدّي لمشروع "فبركة هوية المشروع الاستعماري الإسرائيلي".

ويُقدّم المعرض الذي تُنظّمه مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، مقاربات فلسطينية لأرشيف صهيوني متخم بالصور، ساهم من بين مشاريع أخرى في استعمار فلسطين، بحسب القائم على المعرض الفنان يزيد عناني.

ويُوضّح أنّ هذه الصور قُدّمت للمشاركين في معرض "الحداثة الآنية: عن فبركة (إسرائيل) معماريًّا"، بعد حذف النصوص المضللة المرفقة لها في كتاب "موضوع الصهيونية: عمارة إسرائيل" لمؤلفه (تسفي إفرات) وصدر عام 2018، "بهدف إعادة تأويل هذا الأرشيف من قِبل الفنانين والكُتّاب والمخرجين المشاركين، وخلق رواية جديدة حول الأرشيف ليس لها أساس صهيوني".

ويُبيّن أنّ المشاركين يقدموا قراءة خاصة في التعاطي مع الأرشيف الذي سوّقته الآلة الإعلامية والسياسية الصهيونية باعتبارها صورة (إسرائيل) الحديثة في السنوات الأولى لنشأتها، أو بعد سلب ونهب كلّ ما امتلكه أصحاب الأرض الأصليون، ونسبه إلى المحتل، أو تشويهه تحت ادّعاء (الحداثة).

ويرى عناني، أنّ هذه "الحداثة" شكّلت حالة قطع عن التاريخ والتراث، نائية بنفسها عن الموروث الحضاري والثقافي، قائلًا: "شكّل تزامن المد المعماري الحداثي في الغرب، ووضع أساسات الدولة الصهيونية، فرصة غير مسبوقة لبناء هويّة لحظية لـ(إسرائيل)، تغدو معها المعرفة المتراكمة على الأرض وأدواتها غير ذات قيمة، ويصبح الموروث الشعبي بعماراته وطبيعته لا مكان له، ويصير تغريب ثقافة وتاريخ الشعب الفلسطيني، الموجود على الأرض، أمرًا مُبررًا".

سردية مُغايرة 

وربطت المديرة العامة لمؤسسة عبد المحسن القطان، فداء توما، بين المعرض، وما بين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والحصار المتواصل عليه منذ ستة عشر عامًا، لافتة إلى أنه يأتي على وقع اقتحامات متكررة لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدن وبلدات ومخيمات في الضفة الغربية، "في سياسة ترمي لتقطيع أوصالنا وقمع أصواتنا، ما يؤكد أنّ نكبة الشعب الفلسطيني فعل يتواصل منذ خمسة وسبعين عامًا".

وتُشدد على أنّ المعرض يستكشف آلية أخرى من آليات محو الهوية الفلسطينية، ويستخدم أرشيفًا يُوثّق بناء هوية دولة الاحتلال المعمارية كجزء من حركة الحداثة العالمية، ليقّدمها كجسم طبيعي من المنظور الغربي، وهو أرشيف يصرف النظر عمّا تم محوه من وجودنا وعمراننا وحضارتنا".

وتضيف توما: "يُقدّم المشاركون في المعرض سردية مُغايرة لما أُرّخ له في رواية الاحتلال... نحن أمام تجربة لتفكيك رواية تمت فبركة هويتها باستخدام العمارة والتخطيط، بالإضافة إلى إعادة سرد روايتنا التي كنّا وما زلنا نعمل على عرض واسترداد أرشيفاتها المسروقة".

إعادة تفكيك وتأويل

وينقسم المعرض الذي يختتم أعماله بعد غدٍ الجمعة 19 مايو/ أيار إلى قسمين أو منطقتين، الأولى أرشيفية تعكس مضمون الأرشيف بقالب عسكري يتماهى مع العقلية الصهيونية، وفي المنطقة الأخرى، التي تتوزع حول المساحات الأرشيفية من كل الجوانب، تبرز أعمال الفنانين من تشكيليّين ومحترفي فنون بصريّة ومخرجين وكتاب وأكاديميين، قاموا من خلالها بإعادة تفكيك وتأويل ذلك التاريخ المفبرك.

ومن بين الأعمال الفنية التي اشتملها المعرض، العمل الموسوم بـ"أجزاء من العمارة الفلسطينية" لكلّ من الروائي اللبناني إلياس خوري، و(سيسيليا بروكولي).

ويحاول خوري وبروكولي تقديم سرديّة مختلفة من خلال فن "الكولاج" عبر تجميع الصور المجزأة من مختلف الفترات التاريخية والأماكن، لإنشاء صورة كاملة يجمعان فيها بين صور القرى قبل التدمير، والأنقاض الحاليّة، والهندسة المعمارية العشوائية للاستدلال على أثر الهندسة المعمارية الإسرائيلية في تفتيت المشهد الطبيعي والعمارة للفلسطينيين. 

في حين أعاد الفنّان بشار الحروب، في عمله "متحف في فاترينا"، بإعادة إنتاج فاترينا كانت موجودة في متحف (إسرائيل)، وتحديدًا في قسم الآثار، وصُممت عام 1963، وتحوي منحوتات من الفن العربي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، و"يبدو أنه تم استحضارها من أوروبا مع اليهود المهاجرين إلى فلسطين، ولا تمت هذه القطع بأيّ علاقة إلى تاريخ البلد المحتل وآثاره". 

وجرى استبدال القطع المعروضة داخل الفاترينا بقطع جديدة جُمعت من الأسواق الفلسطينية، وهي في معظمها تصنف لمن لفظوها باعتبارها "نفايات"، بينما لها دلالات مرتبطة بالأماكن التي هاجر منها اليهود إلى فلسطين، وغالبيتها حديث ومرتبط بتاريخ تأسيس هذا الكيان الذي تَرافق تأسيسه مع تاريخ أيديولوجي اتّكأ عليه.

3.jpg
 

2.jpg
 

1.jpg