على الرغم من نظرته الحادة التي ترسمها ملامحه في الصور والخطابات، التي تأثرت بطبيعة شخصيته الأمنية، وتأثرت كذلك بأكثر من عقدين من الزمن أمضاها في سجون الاحتلال أسيرًا بين قضبان مظلمة يعيش في العتمة ولا يرى الشمس، إلا أن شخصية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد يحيى السنوار لم تتغير على الصعيد الاجتماعي مع الأصدقاء والعائلة والناس.
فالسمة الغالبة لانطباع ممن عاشوا معه بالأسرى أو خارج القضبان أنه "شخص متواضع ودود وفي وصاحب خلق طي يشارك من حوله تفاصيلهم"، لم تؤثر تقلده لمناصب تنظيمية عليا على علاقته بالجيران والأصدقاء والناس، أما مع الاحتلال فكانت شخصيته صلبة لا تراجع فيها، فلا يقبل أية حلول إلا في إطار تكتيكات مؤقتة.
في مخيمات اللاجئين بمحافظة خان يونس نشأ السنوار الذي نزحت عائلته من مدينة "المجدل"، فعاش معاناة اللجوء، فأسهمت الظروف الصعبة في تشكل ملامح شخصية الطفل الذي وقف شاهدًا على "نكسة 67"، وكان يسعى لإحداث تغيير "في موازين القوى".
في مدارس المخيم تلقى تعليمه وأكمل دراسته الجامعية بالجامعة الإسلامية التي تخرج فيها بشهادة في الدراسات العربية، وأكمل نشاطه التنظيمي في مرحلة الشباب بتأسيس جهاز المجد الأمني، إلا أنه جرى اعتقاله عام 1988، وحكم بالسجن أربعة مؤبدات قضى منها 23 عامًا متواصلة في سجون الاحتلال منها ما يقارب أربع سنوات في العزل الانفرادي.
دفع الشاب زهرات شباب ربيع عمره الأول داخل السجون، فاعتقل ولم يزد عمره عن 26 عاما، ورغم ذلك تكيفت حياته مع ظروف السجن فعاش بين الأسرى 23 عامًا "كان أخًا لهم وشخصا متواضعًا" كما يقول رفاق له، ومع إدارة السجن كان صلبًا لا يتعامل معها حتى عندما تدهورت حالته لم يلجأ لعيادة السجن إلا بضغط من رفاقه بعد وصول حالته لمستوى خطير، وهذا يفسر شخصيته الحادة جدا تجاه المحتل حتى في أحلك الظروف التي تعلقت بصحته.
لا يضيع وقته
جمعت حياة السجون المحرر الدكتور موسى عكاري ابن مدينة القدس مع السنوار لأكثر من 15 عامًا بدأت بين عامي 1998-2000 وفي الفترة ما بين عامي 2005-2009، وطدت تلك السنوات العلاقة بين الرجلين لحد الأخوة والصداقة، إذ تعج ذاكرة عكار بالكثير مما يمكن أن يسرده عن شخصية يحيى السنوار خلال اعتقالهم في سجون بئر السبع وهداريم ونفحة.
يصف عكار في حديثه لموقع "فلسطين أون لاين" السنوار بأنه "أخ بمعنى الأخ، متواضع ولا يحب الظهور أو التميز عن إخوانه، فكان في السجن يعد الطعام لإخوانه ولأكثر من غرفة في القسم ويقوم كبقية إخوانه بمهمة التنظيف وكان يتنافس من أجل خدمة الأسرى".
كان السنوار شخصًا مثقفًا ومفكرًا ومبدعًا، يشجع الأسرى على قضاء الوقت المفيد وعدم تضييعه، تطرق ذاكرة عكار أبواب السجن قائلا: "كان السنوار صاحب قلم حيث أنه يكتب في اليوم صفحات عديدة لا نستطيع قراءتها، قلمه كان سيالا في كافة المجالات الإارية والسياسية والفكرية والدعوية والوطنية والثورية".
كتب السنوار رواية "شوك القرنفل" داخل السجون، يستذكر رفيق السجن "قرأت الرواية من خط يده في دفتر وكراس في السجن قبل أن يطبع هذا الكتاب الذي ترجمناه قبل شهرين إلى اللغة التركية، مما لقى اقبالا شديدا من الشعب التركي والقراء الأتراك".
وكان يذكر أمه دائمًا في السجن وإخوته وأخواته يصفه رفيقه بأنه كان وفيًا لمشايخه وزملائه في الجامعة الإسلامية حيث كان كثيرا ما يذكرهم بالخير، يحب أن يسمع أراء الأسرى حتى لو اختلفت مع رأيه الشخصي، ويلجأ إلى الشورى مع الأسرى.
يقول عكاري: "كان القائد السنوار محبا لشباب القدس ويعتبرهم الأقرب إلى قلبه وخاصة حبه للقدس والمسجد الأقصى وما يسكنها ومن يسكنها".
ترحل ذاكرة عكاري لأكثر المواقف الصعبة في حياة السنوار ورفيقه لعام 1999 موضحا "تعرضنا للشبح الطويل الذي استمر لأكثر من شهر ونصف في قسم التحقيق بسجن عسقلان، وكان السنوار صامدا صلبا كالصخر وقد بقي هو آخر واحد في الشبح، وكنا نسمع ضباط المخابرات يقولون: "خرج كل الأسرى من عندنا وبقي واحد وهو الأكثر قسوة" في إشارة إلى السنوار.
عرف عكاري السنوار، بأنه رفيق نصوح فكان في سجن بئر السبع ينصحهم دائما بتعلم اللغة العبرية، من أجل فهم الاحتلال الإسرائيلي من الداخل وكان يحثهم باستمرار، وبفضل دعمه أصبح الكثير من الأسرى المحررين لاحقا خبراء في الشأن الإسرائيلي والسياسية الداخلية الإسرائيلية.
بسبب علاقته الجيدة مع جميع الفصائل داخل السجون، أحبه الكثير من أبناء الفصائل واعتبروه قائدا مباشرا لهم، "حتى أن بعضهم فضلوه على قياداتهم التنظيمية"، إذ كانت علاقته تتجاوز البعد الفصائلي بحيث كان ينظر دائما بأن الشعب الفلسطيني أكبر من فصائله، وأن الفلسطينيين هم عائلة كبيرة تحتاج للمزيد من التكافل والتضامن والمحبة، وأن رفاق الأسر هم الذين يستطيعون قيادة الشعب بالمرحلة المقبلة.
في المقابل، كانت شخصية السنوار صارمة في القضايا التي تتعلق بالاحتلال والعدوان فلم يهن في السن وكان ذو مواقف مميزة في الحفاظ على إخوانه من أي تنكيل أو غطرسة من السجان وإدارته، وكان يقود أغلب المعارك النضالية اليت خاضتها الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية وكان قائدا مميزا ورئيسا للهيئة القيادية لحماس، ذلك كان اسمه مرعبا لإدارة السجون ويتعاملون معه بحذر شديد ويتحاشونه.
بينما يرسم المحرر عصمت منصور جانبا آخرا من ملامح السنوار خلال حياتهم داخل سجون الاحتلال في مرحلة التسعينات من القرن الماضي، قائلا لموقع "فلسطين أون لاين": "كان يعيش كباقي الأسرى، تجده متواضعًا إنسانًا صاحب كلمة يلتزم بها كما كان لديه حس وطني، وهو حافظٌ للقرآن الكريم وللحديث النبوي الشريف، يمتاز بلغة الحوار مع الفصائل".
وأضاف منصور "كان السنوار يعيش كباقي معظم الأسرى ويشارك في تفاصيل الحياة اليومية داخل أسوار السجن، صحيح أن لديه دور قيادي في حماس لكن لم يكن دائمًا يظهره، ولاحقا برز هذا الدور بعد 2004، كان دائمًا يتحدث عن حياة المخيم في غزة".
قلب رحيم
بعد تحرره 2011 في صفقة وفاء الأحرار خرج يحيى السنوار بعمر 49 عاما وترك ربيع عمره داخل السجون التي سرقت منه زهرة حياته، لم تتغير شخصية السنوار، فكان يختبئ خلف شخصية "الصقر" التي رسمها عنه ضباط مخابرات الاحتلال وإدارة سجونه، "قلب رحيم".
يذكر أحد الشباب الذين عملوا مع السنوار في إحدى الفترات بأن "أبو إبراهيم تأثر بشاب مبتور القدم كان يذهب لعمله بدون طرف صناعي، فأمر بتركيب طرف له وتزوجيه".
يصفه الشاب الذي عمل مع القائد السنوار لفترة لموقع لـ "فلسطين أون لاين" بأنه ودودٌ جدًا على عكس ما تبدو عليه ملامحه الصارمة وخطاباته التي يتحدى بها أعدائه، يحب المشاركة حتى في طعامه فلا يحب تناول الطعام منفردًا، يقول: "يحب دائمًا أن يأكل من حوله معه، ويشعر بسعادة بذلك، وإذا فرغ طبق أحدهم فإنه يقوم بملئه بنفسه".
وأضاف عن تلك الشخصية "تجده إنسانًا متواضعًا، يسأل عنك وعن أحوالك ويهتم بك، هو متابع جيد لمواقع التواصل الاجتماعي ويقرأ ما يكتب الناشطون، وأحيانًا يناقش بعضهم ببعض المنشورات التي تعجبه أو تلك التي ينتقدها عندما يقابلهم، كونه ليس لديه حساب شخصي بسبب ظروف الملاحقة الأمنية، إذ يدرك أهمية مواقع التواصل في تعزيز الرواية الفلسطينية".
امتاز السنوار بأنه يحب الحركة والعمل والإنجاز فيما يمكن وصفه بـ "الدينمو"، فلا يكل أو يمل، وهو في عمل في كل مكان حتى في طريقة الوصول من مكان لمكان فينجز أو يتابع بعض الأعمال بسيارته، تجده مشغولا طوال الوقت في حل قضايا الناس، يتابع الأعال الفنية الإنشادية ويدرك لأهمية دورها.
أسس السنوار الحاضنة الشعبية لمتابعة شكاوى الناس في غزة، وكان لها دور إغاثي في تنفيذ مئات المشاريع الإغاثية ومشاريع الإعمار والتشغيل والزواج، كان قريبًا من الناس قبل معركة "طوفان الأقصى" وفي آخر لقاءاته قال قبل المعركة، "أتمنى الذهاب مع طفلي لشراء قطعة بسكويت. هناك أوقات لم أر فيها الشمس لأكثر من 100 يوم بسبب الملاحقة".