فلسطين أون لاين

نكبونا ثم يحتفلون بنكبتنا - الأمم المتحدة 1948م – 2023م

في 29 نوفمبر 1947م صدر القرار الشهير عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم الذي بموجبه قسمت فلسطين إلى ثلاثة كيانات جديدة: الكيان الأول دولة عربية مساحتها 42.3%، ودولة يهودية مساحتها 57.7%، وبقاء القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة لهما تحت الوصاية الدولية، وفي 14 مايو 1948م أعلن بن غوريون قيام "دولة إسرائيل" وعودة "الشعب اليهودي" إلى ما أسماه أرضه التاريخية، وفي 11 مايو 1949م صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول "إسرائيل" عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن رُفض ثلاث مرات، وقد ورد في شرط قبولها عضوًا في الجمعية العامة أن تلتزم "إسرائيل" تطبيقَ قرارَي الجمعية العامة رقم 181، وهو قرار التقسيم والقرار 194، وهو القرار الخاص بعودة اللاجئين، وقد جاء النص على هذين القرارين واضحًا على  النحو التالي: "وإذ تشير -يقصد الجمعية العامة- إلى قراريها الصادرين في 29 نوفمبر 1947م وفي 11 ديسمبر 1948م، وإذ تحيط علمًا بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة (إسرائيل) أمام اللجنة السياسية المؤقتة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة".

طبعًا لم تلتزم (إسرائيل) بتطبيق أي من تلك القرارات، بل لقد أمعنت في الذهاب بعيدًا في مخالفتها لتلك القرارات بالقوانين التي أصدرها الكنيست الصهيوني التي من أبرزها قانون ضم القدس الصادر عام 1980م.

طبعًا الجمعية العامة للأمم المتحدة حينما قررت تقسيم فلسطين، كانت تعلم جيدًا أن عدد اليهود في فلسطين عام 1914م لم يكن يتجاوز 8%، وأن تدفق اليهود إلى فلسطين تركز بين عامي 1932م و1939م وصولًا إلى عام 1948م، إذ وصلت نسبة اليهود نحو 31.5%، وذلك بتسهيل وتواطؤ من سلطات الانتداب الإنجليزي تنفيذًا لوعد بلفور الباطل.

وبالرغم من ذلك فقد قررت الجمعية العامة منح هذه الأقلية -التي لم يمر على وجود الأغلبية العظمى منها على أرض فلسطين نحو عشر سنوات فقط- قرابة 57% من مساحة فلسطين، في حين أبقت للشعب الفلسطيني قرابة 42% فقط، علمًا بأن المدة التي زادت  فيها وتيرة الهجرة اليهودية لفلسطين كانت مشتعلة بالثورة احتجاجًا على هذه الهجرة، وهي ثورة 1936م التي قمعها الانتداب البريطاني بكل قسوة، وبالرغم من كل الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني من هذه القرارات الباطلة الظالمة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالرغم من أن الجمعية العامة التي منحت (إسرائيل) العضوية استنادًا لقرارها بتقسيم فلسطين لم تمنح فلسطين -حتى لحظة كتابة هذا المقال استنادًا لنفس القرار- نفس الحق، بغض النظر عن الإجراءات القانونية المدعاة"، بل لقد تنازلت القيادة الفلسطينية الرسمية وقبلت بنصف المساحة التي قررها قرار التقسيم تقريبًا إلا أن (إسرائيل) ما زالت ترفض ذلك بالرغم من التزامها قبولَ قرار التقسيم وقرار عودة اللاجئين شرطًا لقبولها عضوًا في الجمعية العامة، ثم تأتي الجمعية العامة بعد 75 عامًا من نكبة الشعب الفلسطيني الذي كانت الجمعية العامة سببًا رئيسيًا وأساسيًا فيه لتعقد جلسة خاصة بمناسبة النكبة ليسمع الشعب الفلسطيني بعض عبارات التعاطف دون أن يكون هناك أي إجراء عملي على الأقل لتنفيذ قرار التقسيم نفسه الذي قررته الجمعية العامة أو إعادة النظر في عضوية (إسرائيل) لكونها لم تنفذ شروط قبولها عضوًا.

الجمعية العامة وهي تعقد الجلسة الخاصة بمناسبة النكبة، التي عدَّها كثيرون "الجلسة التاريخية"، هي عبارة عن مسرحية هزلية تشبه إلى حد كبير حزن الذئب على الحمل الوديع الذي سبق أن مزقه بأنيابه إربًا.

بل ما زال العالم يصمت على كل الجرائم التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني وفقًا للقوانين التي أقرتها الجمعية العامة نفسها، ولم تملك هذه الجمعية العامة سوى التنديد الخجول أو إصدار توصيات لا قيمة لها.

الجمعية العامة تضم اليوم نحو 196 دولة، تصوت معظم هذه الدول حاليًا لصالح القضية الفلسطينية، لكنها لم تجرؤ في يوم من الأيام أن تصوت لصالح طرد (إسرائيل) وإنهاء عضويتها من الجمعية العامة بعدما ثبت أنها كيان عدواني استيطاني فاشي خلافًا لما ورد في قرار قبول عضويتها من أنها محبة للسلام، الجمعية العامة تحجم عن السير في هذا المسار، على اعتبار أن العضوية وإنهاءها لا يكونان إلا بتوصية من مجلس الأمن الذي تهيمن عليه الدول الخمس دائمة العضوية، التي يوجد منها ثلاث دول مؤيدة تأييدًا مطلقًا لـ(إسرائيل)، هي: أمريكا وفرنسا وبريطانيا.

والغريب أن هذا النظام الظالم الذي لم يمنح على الأقل دولة إفريقية واحدة حق العضوية الدائمة بصفته نوعًا من التمثيل القاري، لم تجرؤ دول العالم الممثلة في الجمعية الدولية والمتضررة من هذا النظام على تفكيكه بالانسحاب الجماعي منه والذهاب لتشكيل جسم عالمي بديل يقوم على مبادئ الحق والعدل، بعد أن ثبت أن النظام العالمي الذي تشكل عقب الحرب الكونية الثانية يقوم على الظلم والمصالح التي لا تقيم وزنًا لمبادئ العدالة والإنسانية.

صحيح أن أمريكا ومعها 4 دول تمتلك حق النقض في النظام العالمي عبر مجلس الأمن، ولكن دول العالم تمتلك حق إنهاء هذا النظام بمجمله لو كان لديها الإرادة، فهل يمكن لمنطق الحق والعدل أن يعلو على منطق المصلحة والظلم والابتزاز؟