لا فرق بين أن تأتي بالناس إلى أفران الغاز كما فعل بهم هتلر "كما يزعمون"، وبين أن تأتي بالنار وتصبها على رؤوس الناس، وتدخلها إلى أعماق بيوتهم الآمنة، وهنا استذكر ما قاله أبراهام بن بورغ في كتابه: " لننتصر على هتلر"، حيث يعترف بأن هناك داخل كلّ صهيوني هتلر، وهذا ما دفعهم إلى ممارسة الظلم والطغيان على الشعب الفلسطيني، لقد تحوّلت الضحيّة إلى جلاد شرس، وليتهم مارسوا دور الجلاد وهذا الإجرام اللعين على من فعله بهم، لقد صبّوا جام أحقادهم والغضب الذي يغلي في صدورهم على الشعب الفلسطيني الذي لا ناقة له فيها ولا جمل.
بن غفير شخصية شديدة التطرف، مسكونة بالحقد والهوس والمزايدة على غيره من جمهوره المتطرف، وقد نجح في جر بقية العصابة المتطرفة أصلًا إلى مربعه الأسود، فكان هذا العدوان الشرس الذي كان أغلب ضحاياه من الأطفال والنساء والناس الذين لا علاقة لهم بما أعلن من أهداف عدوانية، ثم يتبجّح ويعتبر ذلك إنجازًا لحكومته، فأيّ صلف هذا وأي غطرسة؟ ولماذا تجدهم دومًا يمثّلون دور الضحية، ويثيرون ما فعلته بهم النازيّة فيما عرف بالهولوكوست أو المحرقة؟
ماذا يعتبرون ضرب شقّة سكنية بالصواريخ والتي من المعروف مسبقًا أنها ستقتل أطفالًا، وستصيب أناسًا في الشقق المجاورة، وسترعب منطقة سكنية بأكملها، لماذا يصمت العالم الحرّ على هذا الهولوكوست المتنقّل الذي تفتتحه النيران القاتلة والحارقة في المكان الذي تسقط فيه صواريخهم؟
وهنا قد يسأل سائل: وماذا عن صواريخكم؟ لنردّ على السؤال، من الضحية الاحتلال أممن يدافع عن نفسه من جرائم الاحتلال؟ وكيف تضع حدًّا لجرائمهم؟ هل ينفع ذلك الاسترحام واستدرار العطف العالمي الذي بدوره سيكبح جماحهم ويثنيهم عن ممارسة هذه الجريمة المفتوحة؟ أم هل سنراهن على أخلاق الاحتلال وأنه من الممكن أن يتحوّل في يوم من الأيام إلى احتلال محترم؟
لقد جُرّب كل هذا ولم يجدِ نفعًا، لم يستجب لعشرات القرارات التي أصدرها مجلس الأمن وهيئة الأمم، ضرب بها عرض الحائط، أتته فرصة ذهبية: "اتفاقية أوسلو" التي منحته 78% من البلاد وتركت للفلسطينيين البقية إلا أنه استمرّ في إشباعها استيطانًا وعدوانًا، وبقي موغلًا في ممارسة جرائمه بكلّ صنوف الإجرام: قتلًا واعتقالًا واعتداء على كل تفاصيل الحياة الفلسطينية.
لقد حوّل الحياة الفلسطينية إلى جحيم، واستمرّ في العربدة وممارسة غطرسة القوّة، ثمّ ليعتلي سدّة الحكم عندهم بين الحين والآخر من هو أشدّ جنونًا وتطرفًا مثل هذا المعتوه بن غفير، فيجرّهم إلى المربع الأكثر فسادًا وجريمة، لقد أثبت أن الشعب الذي يدخل في خياراته مثل هذه الشخصيات، هو شعب يزداد مع الزمن حقدًا وكراهية وقدرة عالية على ممارسة العدوان بكلّ أشكاله، فمشكلتنا ليست مع أفراد تسلّلوا للحكم، وإنما مع هذه الحثالة البشرية التي رضيت لنفسها هذا الدرك الأسفل في عالم الجريمة السفلي والأسود.
ومع هذا فلم تجرِ الرياح بما تشتهيه سفنهم، ليحكموا شعبًا مهزومًا مستسلمًا مسكونًا بالخوف والذلّة والمسكنة، بل كان لهم أن هذا الشعب الفلسطيني قد ضربت عليه العزّة والكرامة والشعور العالي بالسيادة ورفض الذل والمهانة، فكانت هذه المقاومة الباسلة التي نجحت في صناعة معادلة الرعب والألم المتبادل وصراع الأدمغة، ونجحت في هذا بإمكانياتها المتواضعة جدًا في واقع محاصر، كيف خرج لهم من ينجح في لجم عدوانهم وإدخالهم في حسابات عسيرة أمام أي عدوان يفكّرون به؟ وإن مارسوه جرّ عليهم وبال جريمته، مما يدفعه لإعادة حسابه فورًا.
لقد اكتشف الشعب الفلسطيني أنه لن ينفعه أحد، ولا رأي عام عالمي، ولا عواطف الجماهير العربية وأحرار العالم رغم أهميّة هذا الأمر، لن ينفعه سوى أن يشمّر عن ذراعه ويدخل صراع الأدمغة بكل ما أوتي من قوّة، وقد نجحت مقاومة الشعب الفلسطيني في هذا أيما نجاح، لقد شكّلت القوّة الرادعة التي يحسب لها الاحتلال ألف حساب توازنًا قويًّا مع هذا الاحتلال، وهذا ما نراه مع كلّ حرب يحاول فيه هذا الاحتلال فرض هيمنته وإرادته فيفشل فشلًا ذريعًا بفضل الله، ثم بما نجحت فيه مقاومتنا من قدرة عالية على لجم تطرفه النكد، ومنعه من الوصول إلى أهدافه.