مثَّل مرور ما يزيد على أربع وعشرين ساعة على جريمة الاغتيال في ساعات الفجر الأولى في غزة، استمرارًا للتوتر الذي يعيشه الاحتلال، ولا سيما في ضوء الصمت الذي أعقب الجريمة، وتأني المقاومة في الردّ عليها بغرض إرباك الشارع الإسرائيلي، وانتشار التوتر بين قطاعات مختلفة من جمهور الاحتلال، ما مثَّل دليلًا على فشل ذريع لإستراتيجيته في مواجهة المقاومة.
يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن استغراق حالة الصمت والهدوء الحذر في أجواء غزة وحدود مستوطنات الغلاف، وصولًا إلى قلب الكيان المحتل، لمدة ثلاثين ساعة، حتى بدأت عملية "ثأر الأحرار" ردّا على جريمة الاغتيال، من شأنه أن يضعف استعدادات الجيش على مواكبة الأحداث، والتفرغ لجبهات أخرى أكثر خطورة من غزة، فضلًا عن أن هذا الانتظار القاتل، لما قبل تنفيذ عملية الثأر، أحال ما يصفه الاحتلال بـ"التفوق النوعي"، خاصة القنابل والصواريخ المتطورة إلى قوة محايدة، وساعدت على تهشيم بنية الردع العسكري، وإحباط نظرية الأمن، وإحلال مفهوم المجتمع المذعور محلها.
لقد شهدت الساعات الأخيرة انتشار حالة من الخوف والقلق المتصاعد لدى الاحتلال، ترقبًا لحجم الرد الفلسطيني على مجزرة الاغتيال بغزة، حيث أجلي آلاف المستوطنين من سكان مستوطنات غلاف غزة، خاصة "سديروت" وما حولها، وسافروا لفنادق في البحر الميت، حتى بدأت المقاومة بتنفيذ عمليتها في الثأر من الاحتلال.
ما من شك أن هناك شعورًا إسرائيليًا بالخوف، ويعتقد الإسرائيليون أنه بمجرد وجود صواريخ هنا، فستكون كارثة كبيرة، مع أن الإجلاء الأكبر شمل آلاف المستوطنين، وفي النهاية فإن ما يحدث أمر غير سارّ لدولة الاحتلال، لأنه أسفر عن الإعلان عن عطلة، وإغلاق الطرق والشواطئ، وتوفير طرق بديلة، وإلغاء جميع التجمعات المخطط لها، تحسّبًا لرد المقاومة الذي شمل معظم أرجاء فلسطين المحتلة.
لعل جولة سريعة في مجموعات التواصل الإسرائيلية تكشف طبيعة أجوائهم السائدة، وحجم القلق من الانتظار الذي طال قبل الرد الفلسطيني على مجزرة الاغتيال، ومنها تداول عبارات متكررة تكشف مخاوفهم.
من هذه العبارات: "الصمت هذا يقتلني، وهذا الصمت مصيبة، أشدّ السموم في العالم هو الخوف، تقريبًا يخططون لأمر لم يكن له شبيه من قبل، أخشى أن يخرجوا لنا من الانفاق فجأة، يا الله.. متى راح يردّوا، يقولون إنهم يجهزون لرد موحد من عدد من الجبهات، حقًا هذا الصمت مرعب.. ما الذي ينتظرنا؟ هذا الصمت مرعب ومقلق، يريدون قتلى.. يريدون ردًا مشتركًا أو عمليات في الضفة، أو شغلة لها نتائج، يعلمون كم صعب علينا أن نرى جنودنا قتلى، وهم ينتظرون أمرًا كهذا، ما هذا السيناريو السيء.. ماذا يخططون الآن.. بجدّ أفيدوني، هذا انتصار كبير لهم أن يتركوك بلا إجابة".