نعم أخفقت منظومة أمن العدو، وفشلت في اختيار الساحة التي تحاول بها تحسين صورة الردع، وكأن غزة في فلك الحسابات الأمنية الصهيونية، لقمة سائغة، وسهلة للعبث، والحصول على مكتسبات تحقق رغبات ونزوات المراهقين في قوى اليمين المتطرف، الذي بات يمثل مركز صنع القرار، ويتمتع بصلاحيات واسعة في كل مفاصل الدولة العبرية التي أقيمت على أرضنا المخضبة بدماء الشهداء.
التحول الصهيوني في ممارسة السياسة بالمنطقة واضح تمامًا لدى الأطراف كافة، بمن فيهم الإدارة الأمريكية، التي تدعم توجهات وخيارات اليمين، ولكن بصورة غير تقليدية، ومن خلف الستار، إذ لم تعد تُسمع الأصوات الأمريكية التي تطالب بعدم التعامل مع "بن غفير، وسموتريتش" باعتبارهما شخصيات غير مرغوب بهما لدى الإدارة الأمريكية.
لم تكن هذه التحولات إلا بدعم خارجي وإقليمي، ساهمت في إطلاق يد الاحتلال نحو ضرب الساحات ضربًا واضحًا، وبجرأة متناهية، وإن كانت ضمن حسابات غير مدروسة.
حيث يتسع العدوان في الضفة، ضمن عمليات الجيش الصهيوني التي ينفذها منذ أيام قليلة في نابلس، التي تأتي بعد سلسلة من العمليات النوعية لعناصر المقاومة، إذ يأتي العدوان الصهيوني في نابلس تزامنًا مع العدوان في قطاع غزة، واستهداف ثلاثة من القادة الكبار في سرايا القدس، وبعد أن دعا المتطرف الإرهابي "بن غفير" إلى اغتيال قادة المقاومة في غزة، وتصفية عناصرها لاستعادة الردع المفقود.
وفي ضوء هذا العدوان، ما التقديرات الأمنية التي وضعها الاحتلال قبل عملية الاغتيال؟
التحريض على نتنياهو من قبل متطرفي اليمين، والتهديد بحل الحكومة والكنيست، وما نجم عن ذلك من اتساع دائرة الخلافات بين الأطراف الصهيونية، ساهم في اتخاذ نتنياهو لخطوات عملية، اعتقادًا منه أن المواجهة مع غزة لها سقف محدود، وهناك أدوات يمكن أن يستخدمها لإنهاء أي عملية عسكرية يحقق من بها استعادة الردع، واستبعاد القتال عن ساحة لبنان، هربًا من الضغط الدولي الذي يمكن أن يدفعه إلى الانسحاب من أي مواجهة ستعمق فقدانه للردع.
أعتقد أن التقديرات الأمنية الصهيونية جاءت هذه المرة دون توازنات مطلقة في حسابات الفعل وردود الفعل، لأن تجربة الاحتلال في غزة وفي مثل هذه الظروف واضحة، ونحن لسنا ببعيدين عن نتائج وتداعيات معركة سيف القدس التي أفقدت العدو صوابه، وعمقت من تآكل الردع لديه، وبالتالي فإن تقديرات المؤسسة الأمنية الصهيونية أخفقت هذه المرة، حيث يسجل هذا الإخفاق ضمن مسلسل إخفاقاتها في السنوات الأخيرة.
في المقابل لا تزال فصائل المقاومة تشد بعضها بعضًا، وتعمل في إطار موحد، لحماية الشعب الفلسطيني، وحماية مقدراتها، ولن تسمح للعدو التفرد بأي فصيل، حيث تهدف عمليات الاحتلال في غزة والضفة والمتزامنة إلى فصل الساحات، وضرب بنية المقاومة التي تشكلت بصورة فردية وأخرى جماعية، وبما أن الفعل الميداني الصهيوني لا يزال غارق في الدماء، ستكون ردود المقاومة في كل الساحات أوسع وأكثر ألمًا للعدو.