لا تزال ردود الفعل الإسرائيلية على الاتفاق السعودي الإيراني تتسم بالسلبية، لما له من تبعات سياسية وعسكرية وأمنية على وضعية الاحتلال في المنطقة، وأوجد شبه إجماع لديه على أن الاتفاق مضرّ له، بزعم أنه يلتهم أوراق الشرق الأوسط، ويمسّ بفرصة تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران، بل إن البعض الإسرائيلي عدَّه تهديدًا حقيقيًا، وبالرغم من كل ذلك فقد ارتأى البعض الآخر أن يقدم رواية مغايرة عن الاتفاق من حيث أنه قد يكون مفيدًا.. كيف ذلك؟
لا شك أن الإسرائيليين على اختلاف مستوياتهم السياسية والعسكرية فوجئوا بشدة بالمسار الجديد للسعودية، خاصة بعد أن عوّلوا على انضمامها الوشيك لاتفاقيات التطبيع، ومسارعة نتنياهو لإعلان نيته بناء قطار من حيفا إلى المملكة، مقابل الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، بما فيها الضفة والقدس والجولان، مع أن الخيال الإسرائيلي لإبرام اتفاق تطبيع مع السعودية لم يصل حدّ توقيعه في المدى القريب، مع تكرار حديثها مرارًا وتكرارًا أنها لا تنوي التحدث عنه قبل حلّ القضية الفلسطينية.
ولعل التطور الأخير لدى الاحتلال المتمثل بوجود حكومة يمينية فاشية أجبرت الرياض على إجراء تغيير اضطراري بمسارها السياسي، فبدلًا مع التطبيع مع تل أبيب، فقد أحدثت استدارة قسرية بالتطبيع مع طهران، وهذا التطور اللافت جزء بسيط فقط من واقع الشرق الأوسط الذي يتغير سريعًا كما عقارب الساعة، بالرغم من الإدراك الاسرائيلي بأن التنافس السعودي الايراني لم يتغير، في أبعاده المذهبية والاقتصادية والسياسية، وسعي المملكة جاهد للحدّ من نفوذ إيران في العالم العربي.
ومع الأخذ بعين الاعتبار جميع المخاوف الاسرائيلية، لكن قراءة إسرائيلية مغايرة ترى أن تؤدي المصالحة السعودية الإيرانية لخيارين، قد يكون لهما بالفعل جوانب إيجابية من وجهة نظرها، أولاهما: أن تلتزم إيران بالاتفاق، وبذلها جهودًا لتعزيز التقارب مع المملكة بتعديل سياستها الإستراتيجية في المنطقة، والعمل على إرضاء المملكة وشقيقاتها لكبح جماح أذرعها، خاصة في اليمن والعراق وصولًا لسوريا.
الخيار الثاني: يتمثل بفشل الاتفاق، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا من وجهة النظر الإسرائيلية، بزعم أنه في ظل التاريخ الصعب للعلاقات السعودية الإيرانية، فلن تتخلى الأخيرة عن مشروعها القيادي في المنطقة، ولن تتخلى عن أذرعها، ولن تقلل سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وليس لديها نية لتعليق مشروعها النووي الذي سيجعلها قوة إقليمية، ويحميها من هجوم عسكري عدواني إسرائيلي.
الخلاصة أنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، لكن على المستوى الإستراتيجي، فإن مصلحة المملكة وجاراتها تكمن في الحدّ من تعزيز إيران العسكري والسياسي، وكذلك مصلحة إسرائيلية، دون أن يعني ذلك موافقة الأخيرة عليه.