فلسطين أون لاين

أحمد النجار.. سائق "الديلفري" الذي أفقدته الحرب ساقه وعينه

...
أحمد النجار
رفح/ هدى الدلو:

يمضي الشاب أحمد النجار نهاره متنقلًا بين شوارع قطاع غزة على دراجة نارية؛ ملبيًا طلبات عشرات الزبائن الذين يتواصلون معه لنقل أو تسليم حاجياتهم.

يقود النجار دراجته بقدم واحدة وعين سلبهما صاروخ إسرائيلي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة صيف 2014، في استهداف مباشر لم يكن متوقعًا أن ينجو منه، ولكن قدر الله غالب إذ نجا من القصف الذي استهدف سيارته ليعيش في بداية الأمر تحت وقع صدمة وتقبل الإصابة، إلى أن تمكن من تجاوز المرحلة، والاعتماد على نفسه، وإعالة أسرته بعمله "سائق ديلفري".

من مخيم تل السلطان الواقع شمال غرب مدينة رفح، يروي النجار تفاصيل يوم الإصابة التي لم ينساها على الرغم من مرور 9 أعوام عليها، "ففي يوم الجمعة في الأول من شهر أغسطس عام 2014، كانت سيارتي هذه المرة المستهدفة من قبل النيران الإسرائيلية، شعرت أن إصابتي بالغة، ولن أنجو منها قبل أن أغيب عن الوعي ونقلي للمستشفى".

غاب النجار (29 عامًا) عن الوعي 48 ساعة مستلقيًّا على أسرَّة العناية المكثفة قبل أن يعرف مصيره، ويستيقظ على وضع صحي جديد لم يعهده من قبل، فقد أفقدته الإصابة ساقه اليمنى من فوق الركبة، إلى جانب فقده الرؤية بشكل كامل في عينه اليمني أيضًا، ومعاناته من تيبس في أصابع يده اليمني.

ممارسة الرياضة

يقول النجار: "لم يكن الأمر سهلًا على نفسيتي، كان من الصعب تقبل الأمر خاصة بتر ساقي فأنا محب وممارس للرياضة، ولا أفضل الجلوس في البيت، أشعر أنها تمرضني، واعتمد على ذاتي في توفير مصروفي".

عاش النجار أيامًا صعبة قبل التأقلم، وسلك طريقًا علاجيًّا طويلًا قبل تركيب طرف صناعي ليعتمد على ذاته، ويتمكن من العمل ليوفر مصروفه ويعيل أسرته.

يضيف: "بعد ما يقارب ستة أعوام من الإصابة تمكنت من تركيب طرف صناعي في مستشفى سمو الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة والممول من صندق قطر للتنمية، والذي اختصرت عليّ طريقًا طويلًا من عناء السفر، وشعرت حينها أني ولدت من جديد، وأصبحت أستطيع الاعتماد على نفسي في مختلف أمور حياتي".

يستكمل النجار حديثه: "أصبحت أرتدي الطرف معظم وقتي، لأمارس حياتي بشكل طبيعي، وأجلس مع عائلتي أرضًا، وكأنه طرف طبيعي، كما أني أساعد زوجتي وأصطحب طفلي مشيًّا لمسافات لم يكن بمقدوري سيرها قبل ذلك، أصعد الدرج بمفردي دون مساعدة أحد خاصة أن بيتي على الطابق الخامس، وأتسوق وأحضر كل حاجيات المنزل، وأمارس عملي كسائق ديلفري رغم أني في بداية الأمر واجهت صعوبة في العمل على الدراجة النارية، وبفعل الممارسة اليومية تمكنت من التأقلم".

فمنذ ساعات الصباح الأولى حتى الساعة الخامسة مساء يعمل النجار على دراجته النارية ليوصل الطلبات إلى أصحابها، ليتمكن من تحصيل 30 شيقلًا في نهاية يوم متعب وشاق، ويستطيع تلبية احتياجات أبنائه الثلاثة.

وبصوت بائس يكمل: "أنا من جرحى عدوان 2014 ومنذ ذلك التاريخ حتى هذا اليوم لم أتقاضى شيقلًا واحدًا من راتب الجريح المخصص لي، والذي يفترض أن يتم صرفه بشكل دوري لتحسين وضعي الاقتصادي، وأتمكن من فتح مشروع آخر بدلًا من العمل كسائق ديلفري، فقد ضاع دمنا في السياسة".

أما عن مشواره الرياضي، فيلفت النجار إلى أنه لم تثنه الإصابة عن ممارستها، فهو من هواة ركوب الدراجة الهوائية التي يمارسها يوميًّا، كما التحق بعد الإصابة بكرة السلة بإرادة عالية ليحافظ على لياقة جسده.

على الرغم مما عايشه النجار يقول، إنه سيبقى محافظًا على إرادته العالية وعزيمته القوية التي لن تنكسر، وممارسًا لحياته بجميع أشكالها، وسيستمر في تدريبات كرة السلة حتى يتمكن من تمثيل فلسطين في المحافل الدولية.

ويختم النجار حديثه: "لا أرى نفسي من ذوي الإعاقة، خاصة أني أستطيع أن اعتمد على نفسي وأعيل عائلتي، وأوجه نصيحتي للشباب بالاعتماد على أنفسهم والبحث عنها لا الانتظار في طوابير البطالة، وأن يكون على قدر المسئولية ولا يستسلموا للأمر الواقع".