فلسطين أون لاين

بعد 40 عامًا تمكن محمد القريوتي من قطف لوزات والده

...
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

تنفس محمد القريوتي الصعداء وهو يرى الأرض مثمرة، وبدت أشجار اللوز أمامه كشريط مصور ذكره بالأيام التي جمعته بوالده ورحل عن هذه الدنيا وهو يحلم بزيارتها.

تنقل القريوتي بين أشجار اللوز التي زرعها والده بيده، ليس لقطف اللوز عن الأشجار بالرغم من أنه حمل أكياس لذلك، بل استغل الفرصة لكي يشتم رائحة الزمن الجميل، والزوايا التي قضى فيها سنوات من طفولته برفقة والديه وإخوته، وأبناء عمومته أيضًا.

الصدفة البحتة هي من كانت سبيلًا لزيارة أرضه، في حين كان ابن عمه يتحدث مع حارس مستوطنة "شيلو" المقامة على أرض خربة سيلون، ليطلب منه أن يسمح له بقطف ثمار اللوز. 

خضع حارس المستوطنة لطلب ابن عمه، ووافق على مضض أن يدخل لقطف ثمار اللوز ومعه شخصان فقط، حين تلقى محمد الخبر طار قلبه فرحًا، لأنه سيتمكن من العودة إلى الأرض التي أمضى فيها سنوات طفولته.

في العام 1978 استولى الاحتلال الإسرائيلي على أرض عائلة القريوتي الواقعة في خربة سيلون، وأقيم عليها مستوطنة "شيلو"، إذ تقع الأرض في مكان إستراتيجي بجوار المنطقة الأثرية التي تضم مسجد، وكنيسة وأرض فسيفسائية، معصرة زيتون، وبعض البيوت القديمة.

وقتها كان القريوتي يبلغ 5 أعوام عمره يرافق والده إلى الأرض محمولًا على دابته، وقد استمر على هذا الحال حتى العام 1990م، حين أغلق الاحتلال المنطقة ومنع عائلة القريوتي وغيرها من العائلات التي لها أراضي في نفس المنطقة من دخولها حتى وقتنا هذا.

يقول القريوتي لـ"فلسطين": "خضنا معارك قضائية مع الاحتلال ولا تزال مستمرة حتى اليوم، من أجل استعادة الأرض ولكن دون جدوى، حتى إنهم استولوا على أرض أخرى لنا تقع بجوار تلك المنطقة كانت مزروعة بأشجار الزيتون وجرّفت بالكامل، حتى إنهم أخذوا أشجارنا وزرعوا في داخل المستوطنة".

يعود بشريط ذكرياته إلى ما قبل 32 عامًا حينما كان يرافق والده على الدابة، إذ تبعد الأرض عن بيته في قرية قريوت نحو 2 كيلومتر، إذ كان يربطها في أحد الأشجار القريبة ويكملان طريقهما إلى سيلون مشيًا على الأقدام.

يذكر محمد أن الأرض مزروع بها أكثر من 200 شجرة لوز تعود لعدة عائلات من القرية لكن أحدًا لم يتمكن من زيارتها.

ويبين أن الاحتلال استولى على سيلون لأنها تضم آثارًا كنعانية تعود لآلاف السنين، ويسير إليها رحلات سياحية للأجانب والمستوطنين ويسوقها على أنها أرض "إسرائيلية مقدسة".

حاول محمد وأخوه وابن عمه استراق النظر إلى الوفود الأجنبية التي لم تتوقف طوال مدة مكوثهم من الساعة التاسعة صباحًا إلى الثانية ظهرًا، إذ شاهدوا لافتات كبيرة تعريفية باللغة العربية، والإنجليزية، والعبرية أمام كل مكان أثري فيه شرح مفصل عن الخربة، دون ذكر أي تفاصيل عن فلسطينية المكان، "فالمسجد وصفوه بالمعبد وهذا تزوير واضح للتاريخ".

في أثناء تجوال محمد أخذ أخوه الذي يكبره بـ15 عامًا يتجول بين الأماكن الأثرية في الخربة، فوقعت عينه على أسماء عربية حُفرت على جدران الخربة تعود للعام 1963م، "وهذا دليل على أن ادعائهم بأنها مكان تاريخي يهودي باطل"، يقول محمد.

ويذكر أن الاحتلال أقام برج عرض سينمائي في الموقع الأثري، يعرض فيه تاريخًا مزيفًا، ويبيعون زيت زيتون الذي استخرج من أشجار المنطقة التي احتلوها بثمن غالٍ على أنه "زيت مقدس".

حرص محمد على التقاط صور لكل شبر من أرض والده في سيلون، كما سجل عدة مقاطع فيديو للمنطقة الأثرية التي منع من الوصول إليها، ليريها لأطفاله ولأخوته وأخواته، وأحفادهم، ورواية التاريخ الحقيقي لهم، وربطهم بأرض أجدادهم.

غادر محمد المكان وحاول أن يشبع ناظريه منها فهو لا يدري أي يوم سيعود إليها مرة ثانية، يُمني النفس بنصب خيمة فيها والعيش فيها بدلًا من بيته الحجري الذي يعيش فيه حاليًا.