تداولت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات أسنَدتها لمسؤولين إسرائيليين في حكومة اليمين المتطرفة التي يرأسها نتنياهو بأنها تعتزم العودة إلى سياسة الاغتيالات التي درجت عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتستهدف القيادات السياسية والعسكرية للقوى والفصائل الفلسطينية، والإعدامات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة تندرج تحت مسمى الإرهاب الممارس من قادة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن تصريحات ما يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي "إيتمار بن غفير" الذي حثَّ الأجهزة الأمنية على تنفيذ هذه الاغتيالات، وتهديدات وزير الطاقة والبنى التحتية يسرائيل كاتس الذي أعلن أنه «لا أحد محصّن» وستعود سياسة الاغتيالات إلى الطاولة هذه التهديدات والممارسات الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني وقادته جميعها تعد خرقًا فاضحًا للقوانين والمواثيق الدولية.
هذه التهديدات والتصريحات تكشف عن الوجه الحقيقي لحكومة اليمين الفاشية وهي امتداد للحكومات السابقة، ما دعا نتنياهو وزراء حكومته بالامتناع عن إطلاق التصريحات بخصوص عودة سياسة الاغتيالات، وبالرغم من محاولات التعمية من نتنياهو عن مخططات حكومته ولجم وزرائه فقد كشف المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية أن اجتماعات نتنياهو مع كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية تضمنت مناقشة هذا الخيار، واعتماده مجددًا كسياسة إستراتيجية وليس مجرد إجراء تكتيكي، وإذ يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجًا على تقليص صلاحيات المحكمة العليا، فإنه في وسع قادة الاحتلال الاستناد إلى فتوى المحكمة ذاتها في سنة 2006، حيث عدَّت (الاغتيال السياسي) لقادة فلسطينيين مشروعًا حتى إذا خالف القانون الدولي.
هناك قاعدة قانونية، أن كل ما خالف القانون وما نص عليه من التزامات وواجبات ومحظورات، استلزم فعله التجريم، باعتبار أن الحق في الحياة لأي فرد هو حق أساسي يندرج منه بقية الحقوق، وبالعودة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، الذي نص في المادة 6 على أن الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز لأي إنسان حرمان أحد من حياته تعسفًا، لكن قيّد هذا النص في الفقرة الثانية من المادة نفسها، بتحريم تطبيق عقوبة الإعدام بحق الأشخاص المدنيين إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، إذ يجب أن يكون المُدان قد ارتكب جريمة تعد من الجرائم الأشد خطورة، وبذلك يكون القانون الدولي قد حظر الاغتيال السياسي بعيدًا عن ساحات القضاء العادل.
وبناء على اتفاقية لاهاي عام 1907، أكدت المادة 23 أنه في حالة الحرب، يحظر على أي طرف من الأطراف قتل أو جرح فرد من أفراد الدولة المعادية، أو الجيش المعادي باللجوء إلى الغدر، كما حظرت الأمم المتحدة من إدراج الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ظرف من زمن الحرب، كما نص المبدأ الأول (يجب على الحكومات أن تحظر قانونيًا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ كمبرر لتنفيذ عملية الإعدام).
استنادًا إلى المادة 42 من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاي عام 1907، التي نصت أن الأرض تعد محتلة حين تكون السلطة الفعلية بيد العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها السلطة بعد قيامَتها، وهذا ما ينطبق تمامًا على الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أكدت الأمم المتحدة في العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن، بأن السلطات الإسرائيلية تحتل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمارس السلطة الفعلية عليها، وبذلك تسري اتفاقيات جنيف الأربعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بحدود الرابع من حزيران عام 1967، بما فيها شرقي القدس.
واستنادًا إلى القاعدة القانونية لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي، ولا مقاومة لفعل مباح، ومن هنا لا يمكن أن يتذرع جيش الاحتلال الإسرائيلي باللجوء إلى الدفاع الشرعي، ووفق القوانين والمواثيق الدولية وقرارات الشرعية جميعها تعتبر المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطني وفق شرطين، الأول: هو حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني باعتباره قاعدة آمرة في القانون الدولي، والثاني: نضال وكفاح الشعوب بجميع أنواع الوسائل للوصول إلى الحرية والاستقلال.
وإذا كان صحيحًا أن حكومة نتنياهو الراهنة هي الأشد يمينية وتطرفًا وفاشية على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني، فالصحيح في المقابل أن إقرار خيار الاغتيالات لن يكون مقتصرًا عليها بل هو سياسة قديمة وقائمة انخرطت فيها حكومات الاحتلال كافة، وبالتالي فإن مطالب "بن غفير" و"كاتس" بعودة التصفيات ليست سوى استئنافًا للممارسات التي سبق أن رخّص لها رؤساء حكومات إسرائيلية منذ دافيد بن غوريون وحتى نتنياهو، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي ومجلس الأمن ملاحقة حكومة الاحتلال عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وجميعها ترقى لمستوى جرائم حرب وتمثل خرقًا فاضحًا للقوانين والمواثيق الدولية.