فلسطين أون لاين

3 رصاصات لم تركعه

الطفل مصطفى صباح.. الاحتلال يفتح الجرح الرابع في قلب والديه

...
من جنازة تشييع الطفل مصطفى صباح
بيت لحم - غزة/ يحيى اليعقوبي:

"هو كل حياتي فش عندي غيره" يسند ظهره على الحائط بعينين محمرتين تواسي فقده لنجله الطفل مصطفى عامر صباح (١٦ عامًا)، الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال خلال مواجهات في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، الجمعة الماضية.

تتنهد والدة الشهيد، تتحامل على جراحها، تستحضر آخر اللحظات: "منذ يومين كان يقول لي، "يما بدي أتزوج"، وكنت أقول له: "أنت طفل كيف أزوجك"، ولم تدرِ أنها ستقيم له "عرس الشهادة" بمراسم تشييع شارك بها الآلاف من القرية.

رافقت أمه مسير المشيعين نحو المقبرة، تبكي بحرقة وحسرةً على فراقه: "راح يما.. راح مصطفى"، ثم دنت من قبره تحدث نسوة رافقنها لمواراته الثرى، عما ارتكبه الاحتلال بحق نجلها: "أول مرة وثاني مرة وثالث مرة سجنوه وبالأخير قتلوه بدم بارد".

3 اعتقالات

عبر طرف سماعة الهاتف، يمزق الألم صوت والده وهو يتحدث لصحيفة "فلسطين" قائلاً: "ابني طفل، ما ذنبه ليقتلوه؟ كان يحب الحياة، اعتقلوه ثلاث مرات أيامًا وأشهرًا، آخر مرة لأنه أرهبهم بقطعة خشب، فكانت ذريعة لاعتقاله، يومها اتصل بي ضابط الاحتلال وقال لي بتبجح: "ربِّ ابنك"، فأجبته أني أحسنت تربيته".

فقد صباح ثلاثة من أبنائه بمرض السرطان، واعتقل الاحتلال نجله يزن قبل عام ونصف العام، فكان مصطفى هو ساعده الأيمن، خرج به من جروح الفقد والأسر، ليواصل حياته يؤنس وحدته، إضافة إلى طفل رضيع صغير يعاني إعاقة، ولم يدرِ أن مصطفى سيكون هدفًا لجيش الاحتلال، وأن الاحتلال سيفتح له جرحًا رابعًا داخل قلبه.

يحاول استيعاب الصدمة، يتحرك صوتها الذي تبلله الدموع: "اعتقلوه قبل مدة عند نقطة لجيش الاحتلال، وضربوه بنعالهم، ثم طلبت منه المجندة أن يجثو على قدميه فقال لها: "بركعش"، ثم أطلقت ثلاث رصاصات بين قدميه لإخافته فرفض الركوع، حتى جاء مجند من ثكنة عسكرية (برج مراقبة) وقيده واعتقله".

كان مصطفى متفوقًا في دراسته، ومن الأوائل على صفوفه الدراسية وهو طالب بالصف التاسع الإعدادي، كباقي الأطفال والفتيان رسم لنفسه مستقبلاً بأن يكون مهندسًا، تسكن الحسرة صوت والده: "حرموه من حلمه وطموحه، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم".

آخر اللحظات

قبل استشهاده بساعتين، تناول طعام الإفطار مع والده ورافقه لصلاة الجمعة، وبعد الغداء طلب منه والده المكوث في البيت، تقطع الدموع صوت والده تارة ويعود إلى الحديث تارة محاولاً التماسك وسرد آخر اللحظات: "ذهبت مع والدته لمراجعة الطبيب لشقيقه الرضيع (سبعة أشهر)، وفي أثناء عودتنا سمعت عن مواجهات في البلدة، مباشرة اقتحم الخوف قلب أمه: "والله ليكون مصطفى أولهم".

بمجرد أن وصل والده البيت، حتى تلقى اتصالاً هاتفيًّا من شقيقه، لم تغب التفاصيل عن توقعاته وحدس أمه، فسأله المتصل محاولًا جس نبضه: "وين مصطفى؟"، فأخبره أنه تركه في البيت، لكنه أوجس في قلبه خيفة بعد السؤال، فحاول الإلحاح على شقيقه مرارًا وتكرارًا حتى أقر له أن هناك طفلًا مصابًا بحالة خطرة موجود بالمشفى، يجهل اسمه، وتركه يذهب بنفسه لتجرع الصدمة.

بمجرد أن وجد الأبوان سرير ابنهما وغرفته فارغين، اتجها مباشرة نحو المشفى، ليجداه ممددًا على سرير غرفة العمليات، غارقًا في دمائه، نائمًا نومةً دائمة، لطالما قال لأمه عنها وهو يعرض لها فيديوهات عن الشهداء: "نفسي استشهد يما"، تذكرت كل كلماته، وأمنيته تلك، وهرعت نحو جثمانه تعانقه وتتساقط دموعها على جثمانه.

"عندما خرج من البيت ووصل لمكان المواجهات لم يمكث سوى خمس دقائق، وكان يراقب المواجهات عن بعد، لكن أحد قناصة الاحتلال أطلق عليه رصاصة متفجرة في القلب، استشهد على أثرها"، مشهد ختم والده حديثه الذي قاطعته الدموع، وأصوات المعزين الذين توافدوا لبيت العزاء.