خرج معسكر اليمين الإسرائيلي الحاكم بكل ثقله يوم الخميس الماضي، وتمكن من حشد 200 ألف صهيوني تظاهروا في القدس، دعمًا للتعديلات القانونية.
المتطرفون الصهاينة لم يكتفوا بالحشد والهتاف ضد متظاهري (تل أبيب)، المتطرفون الصهاينة داسوا بالأحذية على صورة رئيسة المحكمة العليا، في رسالة عناد وإصرار تؤكد أنهم ماضون في التعديلات القانونية، بالرغم من 16 أسبوعًا من تظاهر مئات آلاف الصهاينة في (تل أبيب)، وبالرغم من تأجيل اتخاذ القرار إلى موعد انعقاد الكنيست في الأيام القادمة، وبالرغم من حوارات التوافق الدائرة في مكتب رئيس الدولة إسحق هرتسوغ.
المظاهرات في القدس تضمنتها تصريحات متشددة لوزير القضاء ياريف ليفين، وتصريحات تنم عن عدم التراجع لنتانياهو، وتصريحات لأقطاب الصهيونية الدينية، والعظمة اليهودية، وكلها تدّعي أنها صاحبة الأغلبية، وأن التعديلات القانونية لصالح المجتمع الإسرائيلي.
في المقابل احتشد مساء السبت، مئات آلاف المتظاهرين الصهاينة في وسط شوارع تل أبيب في 150 موقعًا ستكون ردًّا على حشود القدس، وسيهتف المتظاهرون في (تل أبيب) ضد المتظاهرين في القدس، وقد يدوسون على صورة وزير العدل، الذي يتزعم التعديلات القانونية، في رسالة صهيونية تؤكد أن الانقسام بين أطياف المجتمع الإسرائيلي عميق، وعميق جدًا، وأن دولة (تل أبيب) تقف على نقيض دولة القدس، وأن إمكانية جزر الخلاف، والتوصل لقواسم مشتركة بات مستبعدًا، ولا سيما مع تباعد المصالح، ومع ظهور نتائج استطلاعات للرأي، تحرض كل طرف على المضي في عناده، والمضي في قراره حتى النهاية.
لقد أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة معاريف يوم الجمعة الماضية، أن تحولًا خطيرًا حدث على مزاج الناخب الإسرائيلي، وهذا التحول كان نتيجة للصراع القائم بين معسكر القدس ومعسكر (تل أبيب)، ويعرف كل معسكر أن مزاج الشارع مرهون بالنتائج، فمعسكر نتنياهو يراهن على الخروج من أزمة التعديلات القانونية سريعًا، وذلك بعد إقرارها، ومن ثم تحسن الاقتصاد، واستقرار سعر صرف الدولار بالنسبة للشيكل، بينما معسكر بني غانتس لابيد، فإنه يراهن على إفشال مشروع التعديلات، كخطوة أولى على طريق إسقاط الحكومة، واللجوء لانتخابات تشريعية، تعطي حزب غانتس الأغلبية، إذ سيحصل على 28 مقعدًا، بينما سيحصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 23 مقعدًا فقط، وهذه النسبة مربكة ومقلقة لنتنياهو بمقدار ما هي مطمئنة لمعسكر غانتس الذي سيحصد تحالفه 70 مقعدًا، مقابل 50 مقعدًا للأحزاب اليمينية المتحالفة مع حزب الليكود.
الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي ليس انقسامًا سطحيًا، ولا هو انقسام على المواقف السياسية، ولا هو انقسام على الميزانية، وبعض القرارات الحكومية التي لا ترضي الطرف الآخر، الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي انقسام عقائدي، أيديولوجي، انقسام على المواقف المبدئية من أصول دولة الصهاينة، هل هي دولة العقيدة اليهودية، دولة التناخ والتلمود، أم هي دولة علمانية، كما أعلن عنها ديفيد بن غوريون عشية النكبة الفلسطينية قبل 75 سنة.
معركة التعديلات القانونية سـتشق طريقها نحو تمزيق المجتمع الإسرائيلي، وقد دخلت مرحلة عدم التراجع، ومكمن الخطورة هنا، أن يلجأ التحالف الحاكم إلى تصدير الانقسام الداخلي عبر حرب على قطاع غزة، ظهرت مؤشراتها حين سمح وزير الحرب يوآف جالانت لضباط وجنود الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في مظاهرة اليمين التي جرت في مدينة القدس.