من عجائب السياسة العربية الخارجية السبعة قيام الموساد الإسرائيلي بالوساطة بين البرهان وحميدتي لوقف القتال في السودان؟! خبر الوساطة الإسرائيلية تكرر نقله والحديث فيه، فهو خبر يبلغ درجة التواتر، ولم ينفيه الطرفان، ولا واحد منهما؟! هذا الخبر من أعجب العجائب لا عند الفلسطينيين، بل عند السودانيين أيضا، وعند الشعوب العربية؟!
وسبب عجبنا أننا نتوقع وساطة عربية مثلا، أو وساطة غربية وأميركية مثلا، ولكن لا نتوقع وساطة إسرائيلية البتة، ومن قال لك أنه يتوقعها قبل سماع خبرها كاذب ومدعي، إلا إذا كان من الدائرة الضيقة المشاركة فيها سرا.
في هذه الوساطة العجيبة والمحبطة للطموحات الوطنية والقومية، ما يشير إلى أن تل أبيب على علاقة جيدة بكل من البرهان وحميدتي، وأنها تريد استبقاء الطرفين في اللعبه، لأن بقاءهما يساعدها على التدخل والوساطة، ويساعدها على الوصول لاتفاقية سلام مع الخرطوم، بدون معوقات قد تأتي من أطراف حزب الأمة أو الإسلاميين أعضاء حزب المؤتمر الوطني.
في دراسة تحليلية صادرة عن معهد واشنطن ما يكشف عن علاقة سرية (لإسرائيل) بالقيادات التي تعاقبت على الحكم في الخرطوم، ومنها الصادق المهدي، وجعفر النميري، وعمر البشير، وقادة من الجيش، وانتقلت العلاقة من السرية للعلنية من خلال البرهان وحميدتي، وما يسمى باتفاقيات (ابراهم) والوساطة الأميركية والإماراتية.
إذا صحت معطيات هذه الدراسة فإن (إسرائيل) متواجدة في الخرطوم منذ عشرات السنين وقبل نقل يهود الفلاشا من أثيوبيا إلى (إسرائيل) من خلال الخرطوم، والتسهيلات التي منحها النميري للموساد الإسرائيلي.
إذا صحت هذه المعطيات، وهي توشك أن تكون صحيحة، فإن عجبنا سيرتد لذواتنا، وكيف كنا في غفلة عن هذا؟! إن ما يقوم به الموساد حاليا من وساطة بين أطراف القتال هو إظهار علني وتتويج لهذا التواجد القديم في الخرطوم؟'.
الموساد يتوسط بين الطرفين المتقاتلين لأنه صديق لكل منهما، ولأنه يريد أن يوقع معهما اتفاقية السلام والتطبيع وتبادل السفراء التي باتت جاهزة للتوقيع من شهر شباط المنصرم. يقال إن الموساد يخشى أن يبدد القتال الدائر في الخرطوم هذا الهدف، أو أن ينقله لإشعار آخر وزمن بعيد.
ويقال إن طرفي القتال البرهان وحميدتي كلاهما يرحب بالوساطة الإسرائيلية، وهنا مسكن العيب، والعار؟!، وكأن (إسرائيل) هي من تدير المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، وكأننا وشعوبنا العربية نعيش في غفلة، لا ندري من يحكمنا دراية حقيقية، ولا ندري كيف يدير من يحكمنا ويترأس دولنا سياستنا الخارجية، وبالذات مع سياسة عواصمنا مع (إسرائيل)؟!