فلسطين أون لاين

تقرير معتكفو الأقصى يحيون الليالي العشر بأجواء روحانية لا يعكرها المستوطنون

...
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

"أجواء لا توصف، وراحة نفسية لا تضاهيها راحة في أي مكان في العالم، لأول مرة أقدم لاعتكاف العشر الأواخر من رمضان في المسجد الأقصى دون منغصات كما الأعوام الماضية، أقطع صلاتي وقراءة القرآن لأصد اقتحامات المستوطنين بالطريقة التي يقدرني الله عليها"، بكلمات مليئة بالفرحة وسعادة لا تتمكن من وصفها استهلت المقدسية أم جميل حديثها مع صحيفة "فلسطين".

"أم جميل" من جبل المكبر، يبعد المسجد الأقصى عن بيتها مسير 10 دقائق، في كل عام تسعى لاعتكاف العشر الأواخر من رمضان في المسجد الأقصى لتحظى بأجوائه الروحانية والإيمانية وأجر الرباط والقيام.

تقول: "الأجر فيه مضاعف، عدا عن أن هواءه ينعشنا ويدب الروح في قلوبنا، فالأقصى وأجوائه ولا نريد شيء آخر من هذه الحياة".

وفي العشر الأواخر من رمضان تستيقظ "أم جميل" مبكرًا لتدبر شئون بيتها على عجالة من أمرها، وتحمل قرآنها وتنطلق من الساعة التاسعة صباحًا لتقضي نهارها مع ليلها وقيامه بالأقصى، ولا تعود إلى بيتها إلا بعد أن تؤدي صلاة الفجر جماعة لتَحظى بقسط من الراحة.

الخمسينية "أم جميل" ترابط في الأقصى منذ 30 عامًا دون كلل أو ملل، وتعد المسجد شريان قلبها الذي يمدها بالحياة عدا عن بركاته عليها.

وتضيف: "ما عشته الأيام الماضية في الأقصى شيء لا يصدق، لا يوجد مستوطنين واقتحامات لهم، كنت لا أستطيع أن أقرأ القرآن ولا أهنأ بالصلاة بسببهم، ولأصد اقتحاماتهم مع المرابطين، اليوم بات جدولي موزع ما بين صلاة وعبادة وقراءة قرآن وذكر ودعاء وغيرها، لا نريد أجمل من ذلك".

لا تذهب "أم جميل" إلى الأقصى قبل أن تخبر سلفاتها وصديقاتها ليرافقنها وتكثر عدد المرابطين والمعتكفين في المسجد، وتحثهم على اصطحاب أبنائهم الصغار وأحفادهم معهم من عمر 5 سنوات فما فوق ليعلموا أن الأقصى لهم ولا تنازل عن شبر منه، وتحدثهم أيضًا عن أجر الرباط وكيف تجتمع فيه العبادات.

هدوء وسكينة

بينما تحمد أمية جبارين (51 عامًا) من مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني المحتل الله أن أنعم عليها بالوجود والرباط في المسجد الأقصى في شهر رمضان.

تقول: "في تلك الأيام المباركة، تكون الأجواء في المسجد رائعة ومباركة بوجود المصلين والمعتكفين والمرابطين داخله، فلا يمكن أن أصف الراحة التي نشعر بها بعد منع المستوطنين من الدخول إلى باحات الأقصى، مما زاد من جمالية الأجواء الروحانية دون أي تعكير كما في الأيام الماضية".  

وتضيف بصوت فرح: "فيا ليتك تشاهدين الفرق بعد أن كان المسجد الأقصى كثكنة عسكرية في الأيام الماضية، كيف حل الهدوء والسكينة عليه هذه الأيام في ظل عدم وجود القوات الشرطية والمستوطنين وصدور أمر منع وجودهم في العشر الأواخر".

تصمت ثم تكمل جبارين حديثها: "صدقًا الأجواء إيمانية وغاية في الروحانية ولا سيما مع الاطمئنان لعدم وجود أي اقتحامات فنجد المعتكفين والمرابطين لا يشغلهم إلا قراءة القرآن الصلاة والذكر، والحمد لله هنالك أعداد كبيرة من الوافدين المصلين في ساحات المسجد الأقصى على الرغم من برودة الجو وتساقط الأمطار".

فالأجواء التي تغلب على الاعتكاف أجواء أخوّة ومحبة حيث يجتمع للاعتكاف داخل المسجد الأقصى معتكفون من جميع مناطق فلسطين (الداخل المحتل، والضفة الغربية، وطبعا أهل القدس، وهنالك وفود من دول إسلامية يشاركون في الاعتكاف وخاصة من تركيا) فتجد الأقصى بكل مصلّياته وساحاته كخلية نحل يكبرون ويهللون ويُصلون ويقرأون القرآن ويستمعون للدروس وهكذا.

وتستذكر جبارين: "في الأيام الماضية كنا نشعر بالقهر حيث كان يمنع البعض من دخول المسجد الأقصى أو تؤخذ هوياتهم على الأبواب، إضافة لذلك فقد حاول الاحتلال التحكم بأماكن تواجد المصلين والمعتكفين وتحديد أماكن جلوسهم لكن والحمد لله لم يستطع تمرير ذلك وأبينا إلا التواجد في أي مكان نريده برغم كل التضييقات".

أما اليوم فتصف المسجد الأقصى زاد جمالًا على جماله لأنه خالٍ من أي عنصر احتلالي كما هو معهود، لتعيش والمعتكفين مشاعر لا توصف في ثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجر العبادات مضاعف.

وتحاول جبارين قدر الإمكان والمستطاع أن تتواجد وتعتكف لأطول مدة ممكنة ليس فقط في شهر رمضان لكن على مدار أيام السنة، ولكن نظرًا لظروفها كأم ولديها أبناء غير متزوجين ما زالوا تحت مسؤوليتها تحاول وفق ما تستطيع.

وتستغرق السيدة قرابة ساعة ونصف في الطريق حتى تصل إلى المسجد الأقصى، "هذا في الظروف العادية لكن عند تواجد أزمات سير قد تستغرق أربع ساعات هذا ما حصل معنا قبل أيام، ولكن ذلك لا يثنيني عن الذهاب والاعتكاف"، وفق حديثها.