في اجتماع مغلق لترتيب فعاليات مناسبتين جاءتا معًا، جمعت ليلة القدر مع يوم الأسير الفلسطيني، الذي طلب فيه يوم الأسير من أخته ليلة القدر أن تجنّد عناصرها كلها لتحقيق نجاح مبهر لهذا اليوم العظيم، فقال يوم الأسير مبتهجًا بهذه الليلة الفضيلة:
-الناس عندنا محظوظون بهذه الفرصة الذهبية التي يمنحها لهم ربّ العالمين، رصد لهم أجر ومثوبة ألف شهر مقابل هذه الليلة، ماذا لو استثمروها لخير الأعمال، وهل هناك ما هو أفضل من وقفة عزّة يعلنون فيها ضرورة تحرير أحرارهم القابعين خلف القضبان؟ هل هناك ما هو أفضل من نصرة من غيّبتهم سجون الاحتلال ووقع عليهم هذا الظلم الكبير، منهم من له في السجون بضع عقود، ألا يعلمون أن أفضل العبادة وأفضل ما يتقرّب به العبد من ربّه رفع الظلم عن المظلومين؟
بدورها هتفت ليلة القدر:
-ليتهم يتوجهون إلى خير العمل، إن غالبيتهم المطلقة تكتفي بالصلاة والقيام والدعاء.
-هذا عظيم ولكنه أوّل العمل.
-عند مسلمي هذه الأيام سيّدي الدعاء ليس أولًا وإنما هو أوّلًا وأخيرًا، يكتفون به ولا ينتبهون لما هو مطلوب من جهد وعمل.
-ألا يوجد أولويات للعمل؟ ألا نحظى نحن وتحريرنا من براثن هذا السجّان الذي يسومنا أشدّ أنواع العذاب بأولوية من أولوياتهم.
-نعم ينبغي ذلك لأن الحرية وتوحيد المؤمن صنوان لا يفترقان، ولأن المؤمنين إخوة ولأن الواجبات في ديننا لا تتجزأ ولا يجوز التفريق بين واجب وواجب، ولأن إنسان ليلة القدر مختلف عن أي إنسان آخر.
-هذه لم أفهمها سيّدي؟
-ليلة القدر تعطي لإنسانها ثقة عالية بنفسه إذ إنه يتعامل مع رب عظيم يبدّله بالليلة أجر ألف شهر، فهو عند الله إنسان عظيم ينبغي على ذلك أن يكون دوره في الحياة عظيمًا، وأن لا يرضى بالدنيّة أو الذلّة أو الاستضعاف أو الاحتلال، ولا يرضى بالطبع أيضًا أن تسلب حريّته أو أيّ أحد من شعبه وأمته، إنسان ليلة القدر هو إنسان يعشق الحرية، ويعمل بكلّ ما يصونها ويصون كرامته أيّ كان، وعلى هذا ينبغي أن يكون تحرير أسراه بشتى الطرق هو أهم أولوياته.
-ألاحظ سيّدتي أنك كرّرت كلمة ينبغي كثيرًا.
-نعم لأن واقعنا يختلف عما ينبغي أن نكون عليه، وعلى ما تريده منا ليلة القدر ورمضان والصيام والعبادة عامة، لأنها إن لم تحررنا وتحرر أسرانا فنحن لا نمتثل لتعاليم عبادتنا وعلينا أن نجسر الهوة بين واقعنا وما ينبغي أن نكون عليه وفق تعاليم ديننا خاصة ونحن نرتقي ونرتفع في الالتزام بمقتضيات إيماننا.
-إذا إنسان ليلة القدر مختلف كليّا وعليه مسؤوليات أكبر ومتوقع منه أن يمارس دوره الذي يتناسب مع مكانته عند ربّه ومع هذه الشهادة العليا التي حقّقها في هذه الليلة المباركة.
نأمل ذلك ونأمل أن تكون ليلة القدر محطة مهمة من محطات التحرّر والتحرير بإذن الله.