جاءت نتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة مدويةً، إذ كشفت عن تردي شعبية حزب الليكود إلى مستويات غير مسبوقة، فضلًا عن بلوغ شركائه اليمينيين الفاشيين نسبة الحسم بصعوبة، مقابل الصعود اللافت لخصومهم، ما يدفع معسكر اليمين عمومًا لتحميل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن التسبب في الأضرار الجسيمة الذي لحق به، وهذه خسارته الأولى المبكرة.
لم تأتِ خسارات اليمين عمومًا ونتنياهو خصوصًا، مصادفة أو عفوية، فقد استغرق الأمر عدة أسابيع منذ اللحظة التي قرر فيها الشروع في انقلابه القضائي من جهة، وإقالة وزير حربه يوآف غالانت من جهة أخرى، حتى بدأت ردود الفعل الإسرائيلية تترا تحاول كبح جماح الحكومة اليمينية.
بدأت خسارات نتنياهو تتبدّى أمام ناظريه مع خروج مئات آلاف الإسرائيليين في مظاهرات عفوية ضخمة، وإعلان الهستدروت إضرابًا عامًا في الاقتصاد، وإغلاق أبواب البنوك، إلى أن أعلن مضطرًا تجميد انقلابه القانوني -ولو مؤقتًا- حتى دخل الاحتلال في أخطر أزمة أمنية عرفها في السنوات الأخيرة بعد تعرضه لهجوم من جميع الجهات لعدة أيام.
في الوقت ذاته بدا لافتًا وبينما تعيش دولة الاحتلال هذه الحالة غير المسبوقة من الفوضى الداخلية، والتهديدات الخارجية، فقد ترك نتنياهو كل هذه التحديات، وتمسّك بأن يعلن وزير حربه اعتذاره على الهواء لتجديد ولائه، والتراجع عن خطابه الذي دعا فيه لوقف الانقلاب القانوني، محذرًا من خطر واضح وفوري وملموس، وعندما بدأ التصعيد الأمني، تراجع عن إقالته له، وسجل ذلك خسارة ثانية مدوية له أمام الاسرائيليين.
الخسارة الثالثة لنتنياهو تمثلت بما شهدته دولة الاحتلال من تراجع كئيب في وضعها الأمني، في الداخل والخارج، وحينها لم يتحدث في مؤتمره الصحفي عن تحمل مسؤوليته الأخلاقية عن الأزمات التي تشهدها الدولة في الأشهر الثلاثة الأولى من حكومته السادسة، بل اكتفى بتحميل المسؤولية للحكومة السابقة،مما جلب عليه جملة من ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة التي عدته متنصلًا من واجباته في حفظ أمن الكيان.
كل هذه الخسارات المتلاحقة تؤكد أن نتنياهو يعاني سياسيًّا من هزيمة مريرة مع مرور المائة يوم الأولى فقط من عهده، بل إنها مائة يوم عجاف عليه شهدت نزول الحشود إلى الشوارع، وإلحاق أضرار جسيمة بحزب الليكود، وإثارة غضب مؤيديه، وفي النهاية ما كشفته استطلاعات الرأي من تردّي شعبيته لأدنى مستوى تاريخي.