مع آذان المغرب، يدوي صوت مدفع رمضان في أرجاء مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وضواحيها، الذي يطلق من فوق سطح مدرسة بنات العدوية الثانوية، وتعاد الكرة وقت السحور يوميًا طيلة الشهر الكريم.
ومدفع طولكرم طقس رمضاني تعود عليه أهل المدينة منذ أكثر من 70 عامًا، بالرغم من تغير أشكال المدفع، لكنه ما يزال تقليدًا وموروثًا ثقافيًا وتراثيًا حاضرًا في المدينة.
المدفع بشكله الحالي، عبارة عن أسطوانة تعبئ بالمفرقعات النارية، التي يشعلها موظف البلدية، فيصدر صوتًا يسمعه سكان طولكرم كافة، وتزيين سماء المدينة بأشكال وألوان جميلة.
ويعود تاريخ مدفع رمضان إلى زمن إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد علي باشا، الذي أحضره إلى مصر ثم إلى نابلس أوائل الثلاثينات، وفي سنة 1951 أُهدي إلى بلدية طولكرم، وتحويله من مدفع حربي إلى مدفع رمضاني.
يبين رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة لبلدية طولكرم مهند مطر أن المدفع منذ ذلك التاريخ استخدم كوسيلة لتنبيه الناس لوقت الإفطار، ويطلق يدويًا.
ويلفت إلى أن المدفع بشكله القديم، عبارة عن ماسورة حديدية صلبة تقع بين عجلتين، يوضع الكحل (البارود) بداخلها ومن ثم تضغط بالأقمشة، وبقاياها.
ويقول مطر لـ"فلسطين" إن طولكرم ما تزال تحتفظ بهذا التقليد، وبمدفع رمضان التاريخي، حيث قامت وزارة السياحة والآثار في طولكرم وبالتعاون مع البلدية بالحفاظ على المدفع القديم، ووضعه في مبنى السرايا العثماني الأثري والتاريخي، "مركز الاستعلامات السياحي".
ويشير إلى أن البلدية استمرت في إطلاق المدفع حتى سيطر الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، ومنع استخدامه أكثر من مرة، قبل أن يعود العمل به منتظمًا في تسعينيات القرن الماضي.
والمدفع بشكله الجديد، عبارة عن ماسورة قطرها ثلاث إنشات، توضع كرة من المفرقعات النارية داخلها، ويشرف على إطلاقها موظف من البلدية.
ويقول مطر: "حرصت البلدية على المحافظة عادة إطلاق المدفع، لأنه أصبح جزءًا أصيلًا من الموروث الشعبي، والديني، والحضاري للمدينة، إذ ينتظر الأهالي إطلاقه بفارغ الصبر، فيما لا يزال الكثيرون يحتفظون بذكرياتهم عن المدفع القديم الذي كان يدك بقطع القماش المضغوط، ويطلق في منطقة تسمى "المنشية" وسط المدينة".
يردف: "كان الجيران والأقارب يتجمعون قديمًا ويذهبون جماعات لرؤية مدفع رمضان، ويعرجون على مقام ولي صالح يقع أول المنشية من أجل إضاءة الشموع كعرف سائد كان آنذاك".
كما جرت العادة قديمًا أن يحتشد مجموعة من الأطفال قبيل قبل آذان المغرب، بالقرب من مكان المدفع العثماني الرابض بين أشجار منطقة المنشية "موقع مستشفى الزكاة" حاليًا، ويحضرون الماء وبعض الحلوى والتمر، ليكسروا بها صيامهم فور إطلاقه.
حينها كان العم أبو جمال أبو شنب-أول من أشرف على إطلاق المدفع- يقوم بتحضير المدفع بحشوه بالبارود، وقطع قماشية وعند موعد الأذان يشعل الفتيل، ليتطاير الشرر بمنظره الجميل وبعد ثوان قليلة يخرج صوتًا مدويًا (يضرب المدفع) إيذانًا ببدء الإفطار، ممزوجًا بصراخ الأطفال ابتهاجًا وفرحًا، وهم يَشْتَمْونَ رائحة البارود ومشاهدة قطع "الشرايط" وهي تتطاير وتتساقط فوق الأشجار.
وعلى الرغم من مرور مدفع طولكرم بمراحل تغيير في شكله الحالي، إلا إنه وعلى مر العقود الماضية كان سببًا لإدخال البهجة، والسرور على قلوب المواطنين في الشهر الفضيل، "حتى الأطفال الذين لم يسمعوا صوت المدفع القديم، ولا يعرفون شكله ينتظرون اليوم إطلاق المدفع لحظة بلحظة في رمضان، حيث يشعرون بالفرح والسعادة"، وفق مطر.
وفكرة مدفع رمضان جاءت من القاهرة، وعُمِّمت على مدن بلاد الشام والعراق منذ أواخر القرن التاسع عشر في ظلّ الدولة العثمانيّة.
وفي فلسطين، ارتبطت "ضربة المدفع" في رمضان بمدن مثل: القدس، وغزّة، ويافا، وحيفا، وعكا، ونابلس، وطولكرم، وجنين.
وظلّ يُعمل بتقليدِ مدفع رمضان في هذه المدن، إلى أن احتلت ومنع الاحتلال الإسرائيلي ومن قبل البريطاني هذا التقليد، باستثناء بعض المدن.