فلسطين أون لاين

حماس ومصر شكل التحول ومستقبل العلاقة (1-2)

السؤال الصعب: ما هو التشخيص السليم لطبيعة العلاقة بين مصر وحركة حماس ومستقبلها..؟ من خلال متابعتي لمنحنيات العلاقة بين الطرفين وعلى وجه التحديد بعد 30/6/2013م، وحالة التوتر التي شهدتها العلاقة يدفعني ذلك للبحث بشكل موضوعي حول مستقبل تلك العلاقة وآليات المحافظة عليها بل تعزيزها, انطلاقاً من إيماني العميق بأهمية الدور المصري لعدة أسباب لعل أهمها: الجغرافيا السياسية والعمق التاريخي والحضاري وتكليف جامعة الدول العربية لمصر بقيادة ملف المصالحة الوطنية، وعلاقات مصر المهمة بالأطراف الاقليمية والدولية بما فيها الاحتلال الصهيوني.


حددت فتحية النبراوي ومحمد نصر مهنا في كتابهما أصول العلاقات السياسية الدولية أنواع التغيير في السياسة الخارجية للدول على النحو التالي:

1. التغير التكيفي: وهو تغير في مستوى الاهتمام الموجه إلى قضية معينة مع استمرار بقاء السياسة في أهدافها وأدواتها كما هي.

2. التغير البرنامجي: حدوث تغير في أدوات السياسة الخارجية مع استمرار الأهداف كما هي.

3. التغير في أهداف السياسة الخارجية وليس مجرد تغير الأدوات.

4. التغير في توجهات السياسة الخارجية، وهو أكثر أشكال التغيّر تطرفاً، ويؤدي إلى تغير في التوجه العام للسلوك الخارجي بحيث يشتمل تغيراً في الأدوات والأهداف والاستراتيجيات.

من أجل تحديد موقع كل من مصر وحماس ضمن شكل التحول لابد من تحليل البيئة الجديدة التي دفعت إلى هذا التقارب بين مصر وحماس.

أسباب ودوافع التحولات الجديدة (ما الجديد)..؟


بالنسبة لمصر:

1. يشكل الإرهاب في سيناء معضلة حقيقية للدولة المصرية، وللأمن القومي المصري، ولعل ما طرحه المفكر المصري جمال حمدان في كتابه شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان عن الأمن القومي المصري بأنه يبدأ من البوابة الشرقية لمصر، ويتجاوز سيناء ليصل إلى فلسطين، وخصوصية سيناء بالنسبة للمصريين يجب أن ندركها نحن الفلسطينيين، فمعظم الغزوات التي استهدفت مصر انطلقت من الشرق (من شبه جزيرة سيناء)، ويشير حمدان إلى ظاهرةٍ مهمة في جغرافية وتاريخ مصر منذ القدم وحتى الآن، وهى أن الدلتا في الحقيقة مفتوحة ومكشوفة من الشرق، ولذلك فإن السيناريو المفضل لمعظم غزاة مصر، عبر العصور، هو اختراق سريع لسيناء يؤدي إلى الوصول إلى الدلتا، وتهديد حقيقي للأمن المصري في عقر الدار. ولذلك يصف حمدان طريق سيناء، لا سيما طريق الشمال طريق الفرما، بأنه طريق الغزاة لكثرة ما عبره من جيوش.


فما يجري في سيناء اليوم من عمليات إرهابية تستهدف الجيش المصري وتستنزفه مالياً وعسكرياً جعل من القيادة المصرية التفكير بشكل أوسع وأعمق لإنهاء معضلة سيناء، ومن أجل استعادة الأمن والاستقرار في سيناء لابد من خيار التنمية، ويشكل قطاع غزة مدخلا مهما للتنمية عبر تأهيل معبر رفح ليكون قادراً على أن يكون معبراً اقتصادياً يخدم الطرفين.


2. وثيقة حماس السياسية: ساعدت وثيقة حماس السياسية التي أطلقتها الحركة في 1/5/2017م وأعلنت عن هويتها بشكل واضح وصريح بعدم ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين, بشكل أو بآخر في صناعة تحول ولو طفيف بالموقف المصري تجاه حركة حماس.


3. الحدائق الخلفية لمصر (القرن الافريقي وسد النهضة): تقرأ مصر بشكل كبير شكل التمدد الصهيوني بالقرن الإفريقي، ودورها في سد النهضة والعبث المتكرر بالحدائق الخلفية للقاهرة بما يمس أمنها القومي، ومن هنا فإن انفتاح القاهرة على المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحماس على وجه الخصوص والتعاطي معهم كلواء متقدم للدفاع عن الأمن القومي العربي عموماً والمصري على وجه الخصوص والضغط على دولة الاحتلال الاسرائيلي من تلك البوابة لضمان مصالحها بالقارة السمراء.


4. تراجع الدور المصري لحساب الدور القطري والتركي في قطاع غزة: لا شك أن القطيعة المصرية مع حركة حماس بالفترة الماضية منحت دولا تعتبرها القاهرة خصماً سياسياً لها لملء الفراغ مثل قطر وتركيا، وهذا يضعف الدور والمكانة التي تتمتع بها مصر في احتضان ورعاية الملف الفلسطيني.


بالنسبة لحماس:

1. ديكتاتورية الجغرافيا، فمصر هي الرئة الوحيدة لقطاع غزة التي تربطه بالعالم الخارجي.

2. الحصار واغلاق المعابر والأزمات المتتالية، فالواقع المعاش في قطاع غزة لم يعد يحتمل وعليه فإن أقل الخيارات تكلفة بالنسبة لحماس هو علاقة قوية مع القاهرة بموجبها يخفف الحصار ويفتح المعبر وتتدفق البضائع.

3. الارهاب والخطر على الأمن القومي الفلسطيني، تخشى حركة حماس من سيطرة تنظيم ولاية سيناء على مناطق الحدود، وأثر ذلك على أمن ومصالح قطاع غزة عموماً وحركة حماس على وجه الخصوص.


وفق ما سبق فإن شكل التحول في علاقة مصر بحماس هو التغير البرنامجي من خلال تغيير أدوات السياسة الخارجية تجاه قطاع غزة مع بقاء الأهداف المتمثلة في تحييد حركة حماس وتوظيف قوتها لخدمة المصالح المصرية هو الأكثر ترجيحاً.


أما شكل التحول الحمساوي تجاه مصر فربما التوصيف الأكثر ترجيحاً هو التغير في أهداف السياسة الخارجية وليس مجرد تغير الأدوات. وفي حال استمرت خطوات تعزيز الثقة بين الطرفين فربما يتطور شكل التحول ايجاباً.


في الجزء الثاني من المقال سأتناول محورين هما: ماذا يجري بالقاهرة الآن، ومستقبل العلاقة بين حماس ومصر وآليات تطورها.