فلسطين أون لاين

حرب الاستنزاف الثانية والعجز الإسرائيلي

أدرك الاحتلال ولكن بعد فوات الأوان أن وقف إطلاق الصواريخ والغارات الجوية لن يوقف العمليات على الأرض في الـ ٤٨ والضفة الغربية والقدس المحتلة؛ فمعادلة الردع فقدت معناها وتم تجاوزها في غور الاردن وتل أبيب عبر عمليات فدائية نوعية؛ إلى جانب هجمات مسلحة في بيت لحم والخليل وأريحا.
الكيان الإسرائيلي ورط نفسه في حرب استنزاف طويلة أكدها انضمام الجبهة السورية لعمليات إطلاق الصواريخ وامتداد الاشتباكات والمواجهات من القدس ومسجدها الأقصى إلى أراضي الـ 48 في الناصرة وأم الفحم وحيفا.
  حرب الاستنزاف التي يخوضها الاحتلال يصعب حسمها أو وقفها ؛ فالاحتلال يخوض معركته اليوم على ست جبهات غزة والضفة والقدس أراضي ٤٨ إضافة للجبهة اللبنانية والسورية مع احتمالات مفتوحة لانتقال عدوى المقاومة المسلحة إلى جبهات جديدة؛ فالتصيعد الإسرائيلي مرشح لأن يقود إلى مزيد من التصعيد وكل الجهود المتبعة لاحتواء المواجهات باتت أمرًا مستحيلًا؛ فالكيان مشغول بالرد على الهجمات المتقطعة والمناوشات في عدد من الجبهات دون جدوى تذكر أو استراتيجية واضحة. 
وفي مقابل ذلك تتواصل جهوده ومحاولاته لتحطيم معنويات الشعب الفلسطيني وإرادته عبر الحديث عن الانقسام الفلسطيني مقابل نجاح نتنياهو في توظيف المواجهة لصالحه في توحيد المعارضة والحكومة الفاشية؛ وهي حرب نفسية.
وبالرغم من أن الحرب النفسية يجب التصدي لها خصوصًا وأنها تأتي على شكل تقارير وتحليلات سياسية وإعلامية ليست بالبريئة؛ إلا أن الحرب النفسية الإسرائيلية تأكل نفسها بنفسها بعد أن برز للسطح وفي خضم المواجهة النفسية تسريبات خطيرة في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية عن تحريض قيادة الموساد العاملين في الجهاز والمواطنين الإسرائيليين على المشاركة في الاحتجاجات ضد خطة الحكومة الإسرائيلية لإضعاف جهاز القضاء.
  العبرة في التسريبات أنها جاءت عن طريق وكالة الاستخبارات الامريكية ( CIA) ووزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بعد تمكنها من فك شيفرة الرسائل المتبادلة بين قادة الموساد ليعاد نشرها في الصحف الأمريكية؛ وهي حادثة غير مسبوقة تؤكد عمق الأزمة داخل الكيان المحتل وهشاشة وحدته وصلابته في مواجهة المعركة التي أطلقها الفاشيون من اليمين الديني الصهيوني باستهداف المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى.
تسريب الرسائل من وكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع الامريكية البنتاغون للصحافة يمثل من ناحية أخرى إشكالًا خطيرًا؛ إذ جاء في  توقيت تعاني فيه القيادة العسكرية والسياسية في الكيان من أزمة ثقة متبادلة.

الفوضى تنتشر في كل مكان داخل الكيان الاسرائيلي ومؤسساته ومظاهر القوة والتماسك تتناقض مع الصدامات بين أركان الحكم في الكيان المحتل التي يصعب إخفائها؛ وهي صدامات تلعب دورًا كبيرًا في كبح جماح الاحتلال وفاعليته في مواجهة المقاومة الفلسطينية؛ ما يطرح أسئلة جدلية عن قدرة الاحتلال على مواصلة التصعيد؛ وأسئلة أخرى عن الطريقة التي سيعمد فيها الاحتلال للخروج من مأزقه؛ والشروط التي ستُناقش لتحقيق خفض التصعيد وعلى أي الجبهات السورية أم اللبنانية أو في قطاع غزة أو الضفة أو الـ 48 والقدس.
وأسئلة أخرى عن الوسطاء وهوياتهم فالجهات كلها مشتعلة في حين أن لقاء نتنياهو بزعيم المعارضة لبيد لا يرجح أن يحقق أن نجاح في ظل الصراع الداخلي وتواصل الهجمات المتبادلة بين أقطاب الحكم والمعارضة في ظل التسريبات الأمريكية؛ وهي أسئلة تؤكد بأن حالة الاستنزاف ستمتد لأسابيع وأشهر طويلة ترفع فيها الكلفة على الاحتلال وتدفع لمزيد من الانقسام والتصارع الداخلي فاتحًا الباب لفقدان السيطرة على الضفة الغربية بكاملها ليبدأ بالتفكير الجدي بتقديم تنازلات توقف نزيفه السياسي والأمني والديموغرافي والاقتصادي بارتفاع معدلات الهجرة السكانية والمالية المضادة نحو أوروبا وأمريكا.

المصدر / السبيل الأردنية