الاقتحامات الصهيونية المستمرة للمسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان دليل على عدم احترام (إسرائيل) لحرية العبادات وحق الفلسطينيين في أداء فرائض الصلاة، فبماذا يفسر اقتحام قوات الاحتلال باحات وساحات الأقصى والاعتداء بالضرب المبرح على المصلين والمعتكفين في الحرم القدسي وإطلاق الغاز السام والرصاص المطاطي عليهم قبل اعتقالهم، وتخريب أجزاء كبيرة من أثاث المسجد في أثناء اقتحامه وتدنيسه.
في الوقت نفسه يخرج رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ويتبجح -وفق ما نقلت هيئة البث الإسرائيلية (مكان)- بأن "(إسرائيل) ملتزمة بالحفاظ على حرية العبادة، وحرية الوصول إلى أماكن العبادة لجميع الأديان والوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، ولن تسمح للمتطرفين العنيفين بتغيير ذلك".
فعن أي حرية عبادات يتحدث نتنياهو وهو من يأمر قواته بقمع المصلين والمعتكفين داخل الأقصى وبالذات في شهر رمضان، الذي يكثر فيه الفلسطينيون من أداء الصلوات فيه للتقرب إلى الله؟ فما يقوله نتنياهو مخالف تماماً للواقع، والحقيقة أن قواته هي التي تسهل الطريق للمتطرفين والمستوطنين لاقتحام الأقصى، بل وتوفر لهم الحماية الكاملة وتغض الطرف على أفعالهم الاستفزازية، وفي المقابل تعتدي على المصلين والمعتكفين وتعتقلهم، وتمنع الفلسطينيين من الوصول إليه، أو عندما تغلق أبوابه، أو عندما تسمح للمستوطنين بذبح القرابين وإقامة الطقوس التلمودية، ألا تدلل كل هذه الأعمال على تواطؤ قوات الاحتلال؟ والدليل على ذلك ما قالته القناة العبرية (11) بأن سلطات الاحتلال قد أجرت مناورة عسكرية قبيل شهر رمضان تحاكي اقتحام الأقصى والاعتداء على المصلين وإفراغه من المعتكفين والمرابطين، لتهيئة الأجواء لاقتحام المستوطنين.
إن الاعتداءات المتواصلة على الأقصى من قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين معد لها مسبقاً، فالاحتلال يعلم مدى أهمية وقدسية هذا المكان عند الفلسطينيين وعلى ما يبدو يتعمد في استفزاز مشاعرهم باستغلال شهر رمضان لرفع مستوى التصعيد والاجرام، بهدف تحقيق مكاسب سياسية من أجل تصدير أزمته الداخلية باستعراض العضلات باقتحام الأقصى والاعتداء على المصلين الخاصرة الأضعف له، للتخلص من المظاهرات الاحتجاجية ضد الانقلاب على القضاء، التي تتصدرها المعارضة وقد تلوح في الأفق بسقوط حكومة المتطرفين.
على أي حال المسجد الأقصى خط أحمر لدى الشعب الفلسطيني، فلم ولن يرضى عن اقتحامه وتدنيسه والعبث به وإقامة شعارات تلمودية وذبح “القرابين” تمهيداً لتقسيمه مكانياً وزمانياً، أو هدمه وإقامة مكانه ما يسمي “الهيكل” المزعوم، وعلى ما يبدو أن الاحتلال لم يعتبر من درس الماضي، ففي عام 1969 حاول الصهاينة إحراقه للتخلص منه فتصدى لهم الفلسطينيون، وفي عام 1996 اندلعت هبة النفق، وعندما قام شارون باقتحامه أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، ولعل وبال معركة سيف القدس في عام 2021 حاضر في أذهان قادة الاحتلال، دفاعاً عن الأقصى والمقدسيين، وإذا كانت المقاومة في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، قد سمَّت الرشقة الصاروخية الأخيرة على مستوطنات غلاف غزة بالرسالة التحذيرية للاحتلال، فهذا يعني أنها لم تتهاون في قضية المساس بالأقصى.