قائمة الموقع

الحكم الشرعي في إخراج أموال الزكاة لفكاك الغارمين

2023-04-03T11:02:00+03:00
الحكم الشرعي في إخراج أموال الزكاة لفكاك الغارمين
فلسطين أون لاين

شُـرُوطُ الْمُستَحِقِّيْن لِسَـهمِ الغَـارِمِيْـن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ففي شهرِ رمَضانَ تنشَطُ فِئةٌ مِنَ الْخَيِّرينَ في فـَكَاكِ الغَارِمِيْنَ، مِمَّا يَجمَعُونَ مِنْ أموالِ الزكاةِ، لإخراجِهم مِنَ وَطأةِ السِّجْن، وحتىٰ يكونَ أولئك الإخوةُ علىٰ بَصِيْرَةٍ مِنْ أمرِهِم، فيَضَعُوا حُصَّةَ الغارمين مِنَ الزكاةَ في مَوضِعِها الصَّحيحِ، وَدِدْتُ أنْ أكشِفَ السِّتارَ عَنْ هذا الْمَصرِفِ الهَامِّ مِنْ مَصَارِفِ الزكاةِ، فأقولُ مُستعيناً بالله تعالى:

أولاً/ الغارمون هم أحَدُ مَصَارِفِ الزكاةِ الثمانية، كما وَرَدَ في الآية (60) من سورة التوبة.

ثانياً/الغارِمُ: هو مَنْ لَحِقَهُ غُرمٌ، ولَزِمَهُ دَيْنٌ، وسُمِّيَ الْمَدينُ غارماً؛ لأنَّ الدَّيْنَ قد لَزِمَهُ وقـَيَّدَه.

ثالثاً/ الغارمون قسمان: غَاِرٌم لِمَصلَحَةِ نفسِهِ وعِيَالِهِ، وغَارِمٌ لِمَصلَحةِ الْمُجتمَعِ، وبَيَانُ هذا كما يلي.

القسم الأول/ الغَارِمون لِمصلَحَةِ أنفسِهِمْ وعِيَالِهِم، وهم صِنْفَان:

(الأول) مَنِ استدان لِمَصلحة نفسِهِ وعِيَالِهِ؛ لِدَفعِ ضَرُورةٍ، أو سَدِّ حاجةٍ؛ كأنْ يَستدِينَ لِنفقةٍ، أو كِسْوَةٍ، أو زواجٍ، أو علاجِ مرضٍ، أو بناءِ مَسكَنٍ يَحتاجُهُ، أو شراءِ أثاثٍ لا غِنَىًٰ لَهُ عَنهُ، أو تزويجِ وَلَدٍ يَخشىٰ عَلَيهِ   أنْ يُفتَنَ، أو لِدَفعِ قيمةِ ما أتلَفَهُ لِغيْرِه، ونَحوِ ذلك.

(والثاني ) مَنْ أصَابَتهُ كارثةٌ، أو حَلَّتْ بِهِ مُصِيبَةٌ، ألْجَأتـْهُ إلى الاستِدَانةِ لِحَاجَةِ نفسِهِ وأهلِهِ؛ كَمَنْ أصابَ بَيْتَهُ حريقٌ، أو هَدَمَ العَدُوُّ مَنْزِلَهُ، وأتلَفَ مالَه، أو لَزِمَتهُ دِيَةٌ، أو تعويضٌ في حادثِ طُرُقٍ.

 ويُعطَى هذا الصنف من زكاة الْمالِ ما يَقضِي بِهِ دَيْنَهُ فقط؛                     إذا توافَرَتْ فِيهِ أربعةُ شروط:

(1) أنْ يكون مُحتاجاً حاجةً حقيقيةً إلى ما يَقضِي بِهِ دَيْنَهُ، فلو كان قادراً على سَدَادِ دَينِهِ بعملٍ أو كسبٍ، أو كان عِنْدَهُ نقودٌ، أو عقارٌ، أو عُرُوضُ تِجَارَةٍ، لَمْ يُعْطَ من الزكاةِ؛ لِعَدَمِ الْحاجَةِ.

وإذا كان عندَهُ ما يَقضِي بِهِ بعضَ الدَّيْنِ؛ فإنه يُعطِيَ بِقدرِ ما يَقضِي بِهِ الباقي فقط.

(2) أنْ يكونَ قد استدانَ في حاجةٍ لا غِنىًٰ لَهُ عنها، مِمَّا ليس فيه معصيةٌ لله تعالىٰ؛ فلا يُعطَىٰ مَنِ استدانَ فيما يُستـَغنَىٰ عنه من الْحاجِيَّاتِ، أو في شِراءِ الكَمالِيَّاتِ؛ كَمَنْ يَشتري جَوَّالاً بَاهِظَ الثمَنِ، ولا مَنْ أسرَفَ في الإنفاقِ الْمباح إلى حَدِّ الاستِدانةِ؛ كَمَنْ بَنَىٰ بيتاً أكثرَ مِنْ حَاجَتِهِ، أو غَالَىٰ في تأثِيثِهِ، ولا مَنِ استدَانَ في معصيةٍ؛ كقِمارٍ، ومُجونٍ، أو أفلَسَ في تِجارةٍ مَزعومَةٍ، يُعطِي الناسَ عليها أرباحاً مَوهومة، أو في تِجارة مُحَرَّمَةٍ؛ كتجارة الدُّخَّان ومُلْحَقَاتِهِ، ولا يُعطىٰ الْمُدَخِّنُ الذي يشتري الدُّخَّانَ لِنَفسِهِ، ويَستدينُ لِنَفَقَةِ بَيْتِهِ وأهلِهِ.

(3) أنْ يكونَ الدَّيْنُ قد حَلَّ مَوعِدُه، واستـُحِقَّ سَدَادُهُ. وامتنعَ الدَّائِنُ مِنْ إنظارِهِ ( أي: إمهَالِهِ وتأجيلِهِ )، فإنْ كان دَينـُهُ مؤجَّلاً، أو مُقسَّطاً فلا يُعطَىٰ؛ لأنـَّهُ غَيْرُ مُحتاجٍ إلَيهِ الآن.

(4) ألا يكونَ الغارمُ مُحتالاً؛ فاستَدانَ لِيَدخُلَ السِّجْنَ، أو حَرَّرَ الدَّينَ باسمِ زَوجَتِهِ؛ لِيَكونَ أدعَىٰ للغَيْرَةِ عليها مِنْ دُخولِ السِّجْنِ، أو البَقاءِ فِيْهِ، طَمَعاً أنْ يَشمَلَهُ مَشروعُ (فَكَاكُ الغَارِمِين) .

القسم الثاني/ الغارمُ لِمَصلَحَةِ غَيْرِهِ؛ وهو الذي يَغرَمُ لإصلاحِ ذاتِ البَيْنِ، ويَلتزمُ في ذِمَّتِهِ مالاً، عِوَضاً عَمَّا وَجَبَ بين الْمُتخاصِمِين من حُقوقٍ ومُتلَفات، ولَهُ ثلاثُ صُوَرٍ:

الأولى: أنْ يَتَحَمَّلَ في ذِمَّتِهِ مقدارَ ما يُصلِحُ بِهِ بين الطائِفتَيْن، فيَكونَ دَيْناً عَلَيْهِ.

الثانية: أنْ يَستَدِينَ مالاً مِنْ غَيْرِهُ، ويَدفـَعَهُ للمُتضَرِّرينَ مِنْهُمْ.

الثالثة: أنْ يَدفـَعَ مِنْ حُرِّ مَالِهِ مَا يُصلِحُ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْن، علىٰ أنْ يَسترِدَّهُ مِنْ نـَصِيبِ الغارِمين مِنْ زَكَوَاتِ الْمُسلمين، إلا إذا نوىٰ التـَّبَرُّعَ بذلك لِوَجهِ اللهِ تعالى، فلا يُعطَى مِنَ الزكاة.

والغارمُ لإصلاحِ ذاتِ البَيْنِ يُعطَىٰ مِنَ الزكاةِ، ولو كانَ غَنِيَّاً؛ لأنـَّهُ لا يَأخُذُ لِمَصلَحَتِهِ، وحَظِّ نفسِهِ؛ ولكِنـَّهُ لا يُعطَىٰ أكثرَ مِمَّا دَفـَعَ في سَبيلِ ذلك.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

أخذت المسألة عن مفتي محافظة خان يونس الشيخ إحسان إبراهيم عاشور.

اخبار ذات صلة