فلسطين أون لاين

"هريش" لم يتعافَ من تعذيبه الأول وفرحة الطفل "أبو عرام" تحوّلت إلى كابوس

تقرير مداهمات الاعتقال السياسي أوقات الإفطار تُشتّت اللمّات العائلية بالضفة

...
أمن السلطة يشن حملة اعتقالات سياسية بالضفة- أرشيف
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

كان أفراد عائلة "هريش" ينتظرون رفع أذان مغرب السادس من شهر رمضان لتناول طعام الإفطار في لمّة عائلية أفسدها قرع باب البيت بشكل مفاجئ وفزِعٍ من عناصر أجهزة أمن السلطة، ثم اقتحامه وتفتيش غرفه بحثًا عن أحمد هريش.

ولما تبيَّن لعناصر القوات المقتحمة خلو البيت من "أحمد"، لجأوا إلى اعتقال والده وشقيقه محمد للضغط عليه لتسليم نفسه.

لم يمضِ على تحرُّر هريش سوى خمسة أشهر، بعد اعتقال دام نحو 185 يومًا في سجون السلطة، أضرب خلالها 47 يومًا عن الطعام، وبعد الإفراج عنه احتضن مولوده البكر "كرم" لأول مرة بعد مرور 85 يومًا منذ أن أبصر النور.

وحتى لا يتكرر مع والدهم وشقيقهم محمد نفس ما جرى مع أحمد، رفضت العائلة اعتقاله إلا بمرافقة والدتهم وشقيقته الناشطة الإعلامية والحقوقية أسماء هريش إلى مركز الاعتقال، بقيتا في قاعة الانتظار حتى فجر الأربعاء قبل الماضي إلى أن أُفرج عنهما، فيما لا زالت أجهزة أمن السلطة تُلاحق أحمد.

مداهمة مفاجئة

"أجو مع الأذان، ما ارتوينا" بغصّة تروي أسماء هريش لصحيفة "فلسطين" لحظة المداهمة قائلة: "اقتحموا منزلنا فجأة، وأفسدوا لمّتنا مع أذان المغرب، فتشوا البيت بدون مذكرة تفتيش أو اعتقال من النيابة، وبقيتُ حتى الفجر في انتظار الإفراج عن أبي وشقيقي محمد".

تغادر كلمات القهر قلبها: "جاؤوا للبيت بلا حرمات للشهر الفضيل، يعتدون على النساء والأطفال، فماذا بقي من حرمات لم ينتهكوها؟".

لم يتعافَ شقيقها من اعتقاله السابق، فمعظم الوقت يؤدي صلاته على كرسي من شدة التعذيب الذي تعرض له، مستغربةً من ملاحقته رغم أنه لا يغادر البيت إلا للمسجد ويذهب بواسطة عكازه، كذلك لم تنتهِ قضية الاعتقال الأول له إذ أرجأت المحكمة الجلسة ضد ستة أشخاص من بينهم أحمد من 21 مارس/ آذار الماضي، إلى مايو/ أيار المقبل.

اقرأ أيضًا: أجهزة السلطة تواصل حملة الاعتقال السياسي على خلفية تشييع خروشة

ومنذ مطلع شهر رمضان صعّدت أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالاتها السياسية، غالبيتها حدثت أوقات الإفطار لتُنغّص حياة العائلات وتُشتّت اللمّات على موائد الإفطار، ومنهم منذر رحيب الذي رافق أحمد هريش باعتقاله الأول وأيمن أبو عرام المعتقل منذ بداية رمضان، إذ بلغت أعداد المعتقلين 36 حالةً منهم عشر حالات حدثت قبل حلول شهر الصيام.

خوفٌ وذعر

تحوّلت فرحة قسام أبو عرام (8 أعوام) بأداء صلاة التراويح في أول صيام له في شهر رمضان إلى كابوس وخوف وذعر وبكاء، بعد هجوم مسلحين على سيارة والده "أيمن" أثناء ذهابه لأداء صلاة التراويح في أول أيام رمضان عاش الطفل خلالها لحظات مرعبة، ومنذ أسبوع لا زالت أجهزة السلطة تعتقله في سجن أريحا.

"كنا سعداء أن يأتيَ رمضان بوجود ابني سيف (7 شهور) وكان شيئًا مميزًا بوجوده، ضيّعوا علينا فرحتنا بذكرى زواجنا الحادية عشرة، حرمونا من أن نجتمع مع بعضنا، من اللمة العائلية مع الإفطار، من فرحة الأولاد بالصيام" بكلمات مليئة بالحسرة تروي زوجته فاطمة أبو عرام لصحيفة "فلسطين" واصفةً ما يجري بـ "تنغيص حياة".

لم تستطع "أبو عرام" حصر مرات اعتقال زوجها لكنها تُقدّرها بنحو عشرين مرة اعتقال، في كلّ مرة تُشتّت "حياتهم" وتحرم أطفالها الأربعة من حنان والدهم، فيما أمضى نحو ست سنوات عند الاحتلال، وفي فترة الاعتقال الأخيرة لدى أجهزة السلطة اضطرت للانتقال للعيش في بيت عائلتها.

ويصف الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف تصاعد حملة الاعتقال السياسي في رمضان بأنه "جرم مضاعف وجريمة بشعة، تشير إلى التزامات تقوم السلطة بتنفيذها في محاولة للوفاء بمخرجات اجتماعَي العقبة وشرم الشيخ الأمنيّين لقمع المقاومة وقمع أيّ رأي معارض".

وأضاف عساف لصحيفة "فلسطين": إنّ "السلطة ماضية في الالتحاق والتبعية والاستجابة لإرادة الاحتلال، التي يريد تحويلها إلى جيش لحد (الذي كان منتشرًا في جنوب لبنان) وهو غير مقبول شعبيًّا ووطنيًّا".

وخلال العام الماضي صعّدت السلطة حملة اعتقالاتها السياسية، إذ بلغ أعداد المعتقلين نحو ألف حالة اعتقال، وصلت ذروتها في الأيام التي سبقت وتبعت ذكرى انطلاقة حركة حماس الخامسة والثلاثين في ديسمبر/ كانون أول الماضي.