فلسطين أون لاين

الحكواتي

النصيحة بجمل

...
الحكواتي_ النصيحة بجمل
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

النصيحة الحقة درع ينجيك من مهالك، ومشكلات تواجهها في حياتك، ولكن البعض قد لا يقبل بالنصح ويجده ثقيلًا على نفسه، وتدخلًا في شؤونه الخاصة، لذلك قال الأقدمون: "النصيحة بجمل"، فما حكاية ذلك المثل والمقولة العربية الدارجة في حياتنا؟

تروي الحكواتية المقدسية ماجدة صبحي أن رجلًا فقير الحال اغترب عن أهله سنوات طوالا، وعمل راعيًا لدى أحد التجار ليجني الأموال.

ذات يوم ذهب إلى معلمه قائلًا: يعز علي يا معلمي الفراق، ولكنني لأهلي مشتاق. رد عليه: امضِ يا ولدي في طريقك، وخذ هذه الإبل مكافأة من صديقك.

مشى الرجل الفقير وفي طريقه وجد خيمة، وبجوارها رجل، اقترب من الخيمة وألقى التحية على شيخ جليل وجده على بابها، استأذنه قائلًا: هل أستطيع المبيت عندك، فلقد أعياني السفر الطويل؟ قال الشيخ: تفضل، لك ما طلبت.

سأل الرجل: ما عملك يا عماه، فالتبصر على وجهك لائح؟ ليجيب الشيخ: أنا تاجر يا بني، أبيع النصائح، فسأله الرجل: وماذا تتقاضي مقابل هذا العمل؟ ليرد: كل نصيحة بجمل.

تعجب الرجل الفقير: ثمن باهظ، ولكنك أثرت الفضول، وعلى نصائحك أريد الحصول، هات لي نصيحة.

قدم له النصيحة الأولى: "إذا طلع سهيل لا تأمن السيل"، تعجب الرجل الفقير: ومالي ونجم سهيل في هذه الصحراء؟ وما سينفعني في العراء؟ أعطني نصيحة تجنبي الضراء.

أعطاه الشيخ النصيحة الثانية: لا تأمن لرجل عيونه زرق وأسنانه فرق.

تعجب الرجل الفقير للمرة الثانية: يبدو أن نصائحك الكثيرة لن تفيدني، لكني سأجرب حظي للمرة الأخيرة.

على مضض قال الرجل للشيخ: سأعطيك جملين، وشكرًا لحسن الضيافة.

ساق صاحبنا ما تبقى من جمال عدة أيام، حتى وصل قومًا في واد كبير. وفي الليل تأمل السماء فشاهد نجم سهيل.

صرخ الرجل: يا رجال اخرجوا على عجل من الوادي إلى قمة الجبل، فقد أخبرني شيخ جليل أنه "إذا رأيت نجم سهيل أن أحذر السيل".

غضب القوم منه ووصفوه بالجنون عندما قال لهم إن "النصيحة بجمل". صعد بطلنا الجبل، وفي آخر الليل هطل المطر وجاء معه السيل، فغرقت الخيام والرجال، ونجا وحده من المآل.

وفي الصباح تابع السير، فوصل بيتًا صغير لم يستبشر من صاحبه خيرًا، رغم دعوته له لإقامة ليلته في بيته.

في المساء أعلن بطلنا أنه خارج البيت سينام، قريبًا من الإبل والأغنام، وقد عزم على وضع حجر في فراشه. اختبأ في زاوية وانتظر، وعند منتصف الليل، سمع صوت خطوات مُضيفه، وأنفاسه، وحفيفه، ولما وصل إلى فراشة هوى على الحجر بضربة سيف، فعاجله صاحبنا بطعنة شديدة، وقتله بعد أن اكتشف المكيدة، مرددًا: يا غدار كنت تنوي نحري كالحمل ولكني اشتريت النصيحة بجمل.