في التاسع والعشرين من مارس/ آذار 2002 اجتاحت قوات جيش الاحتلال مدن الضفة الغربية تحت اسم عملية "السور الواقي"، وكان الهدف الإستراتيجي هو استئصال جذوة المقاومة ووقف العمليات الاستشهادية التي زلزلت كيان الاحتلال.
آنذاك أطلق رئيس وزراء الاحتلال أرئيل شارون على شهر مارس "آذار الأسود"؛ إذ قتل فيه 105 من الإسرائيليين بينهم 26 جنديًا، إثر العمليات الاستشهادية للمقاومة الفلسطينية، فما كان منه إلا أن أعطى الضوء الأخضر لاجتياح الضفة، متوهمًا بقدرته على إنهاء انتفاضة الأقصى.
كان لجنين ومخيمها دور بارز في قيادة المعركة، فقتل مقاوموها 40 جنديًّا إسرائيليًّا، وأصابوا 140 آخرين، 13 منهم في يوم واحد في 9 أبريل/ نيسان في كمين محكم للمقاومة في المخيم.
وتحت وقع الصدمة من سقوط عدد من الجنود، ارتكب الاحتلال على إثرها مجزرة في المخيم ارتقى فيها أكثر من 100 شهيد حسب مصادر فلسطينية، وجُرح 355 آخرون، جرى انتشال 57 منهم فقط، بينما نقل الاحتلال بقية الجثث ودفنها في الأغوار، بعد تجريف الاحتلال للمنازل ونسفها على ساكنيها باتباع سياسة "الأرض المحروقة".
بصمة واضحة
يقول الكاتب والمحلل السياسي من جنين ثامر سباعنة: إن "جنين استطاعت بمقاومتها أن تضع بصماتها الواضحة بالفعل المقاوم ضد الاحتلال في انتفاضة الأقصى، ونفذ أبناء جنين العديد من الضربات ضد الاحتلال، ما دفعه للبدء بعملية اجتياح طالت معظم المدن الفلسطينية ومن بينها جنين ومخيمها".
وأشار سباعنة في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن الاحتلال حاصر المخيم 15 يومًا، ارتقى في أثنائها العديد من الشهداء والجرحى، ودمّر عددًا كبيرًا من بيوت المخيم كانتقام من الحاضنة الشعبية التي التفت حول المقاومة، فيما صمدت المقاومة طيلة أيام الاجتياح وقتلت العديد من الجنود.
ورأى أن جنين اليوم تعود لتكرار المشهد وتصعيد المقاومة وقيادتها في الضفة الغربية عبر تصعيد المقاومة، وبات لديها مئات المقاومين والمطاردين.
وفي معركة جنين سطّر أبطال جنين بطولات قبل الاجتياح وفي أثناء المعركة، وتناقلت وسائل الإعلام حكايات البطولة والفداء، وحفرت أسماء العديد من المقاومين الذين لم ينساهم التاريخ، تستحضرهم ذاكرة سباعنة وهم: محمود طوالبة وجمال أبو الهيجا ورياض بدير، والأسير زكريا الزبيدي.
تناقلت الأسماء والحكايات بين أهالي المخيم لتصل للجيل الحالي، الذي استلهم من سير المقاومين السابقين طريقه نحو الحرية والعمل المقاوم، مردفًا: "لعلّ الملاحظ أن أعمار المقاومين الحاليين في المخيم تقارب عمر الاجتياح، وكأنهم رضعوا لبن الثأر لشهداء الاجتياح".
وبالرغم من الضربات التي وجهها الاحتلال للمقاومة في الاجتياح وحاليًا، يؤكد سباعنة أن الاحتلال لم ينجح في القضاء على حالة المقاومة، ويمكن القول إنه استطاع تأخير نموها قليلًا.
اقرأ أيضاً: تقارير: السلطة أعدت خطة للقضاء على المقاومة في جنين
ويعتقد أن ما تشهده جنين ومخيمها منذ أشهر دليل واضح على أن الاحتلال لم ينجح في وأد المقاومة، بل استطاعت الأخيرة أن تعيد بناء ذاتها وأن تظهر من جديد في جنين ومخيمها، بظهور جيل جديد يحمل ذكريات الاجتياح ويصر على الثبات والاشتباك مع الاحتلال في شوارع وأزقة جنين والمخيم، بل تعدى ذلك ليخرج المقاتلون لداخل المدن الفلسطينية المحتلة.
حاضنة متماسكة
في أثناء الاجتياح تميزت جنين ومخيمها بصلابة الحاضنة الشعبية فيها، وبالرغم من الخسائر وتدمير البيوت وأعداد الشهداء، توقّع الاحتلال -وفق سباعنة- استسلام الحاضنة الشعبية وثنيها عن الالتفاف حول المقاومة، إلا أن سياق الأحداث في حينه وحاليًا يؤكد أن الأهالي يحتضون المقاومة ويتسمكون بها.
اتّساع رقعة المقاومة حاليًا خاصة في شمال الضفة وجنين، يراه المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع تأكيدًا على فشل الاحتلال في استئصال المقاومة من الضربة الأولى في الاجتياح وما تبعه من توالي الاستهدافات والضربات.
وقال مناع لصحيفة "فلسطين": إن "المقاومة فكرة لا يمكن حصرها في عناصر وتنظيم، فما دام الاحتلال قائمًا هناك مقاومة مستمرة، قد تتصاعد أو تتراجع في بعض المراحل، إضافة إلى أن المقاومة متعددة الأشكال، فهناك مقاومة سلمية وشعبية ومسلحة، وبعض الناس يمارسون المقاومة بالتعليم أو الكتابة على الجدران وغيرها من الأشكال".
وبعد 21 عامًا على معركة جنين، لا زالت نظرة الاحتلال لجنين ومخيمها بنفس الخشية والقلق في ظل وجود تشكيلات عسكرية مختلفة، ويقلقه حالة الإلهام والتقليد والتأثير البعيد غير المباشر في الضفة- وفق مناع.