فقدان السيطرة، وحالة التأهب في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والمظاهرات، والتلويح بالعصيان، واحتمالات التراجع عن التعديلات القضائية أو مواصلة تمريرها، والانشقاقات في صفوف الليكود ...إلخ، هل تقود (إسرائيل) الثالثة إلى الاحتراق من داخلها، أم أن ما حدث ويحدث هو بمثابة اختبار لمدى قوة نظامها السياسي؟
(إسرائيل) الثالثة على مفترق طرق خطير، وكلمة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن فيها عن تعليق التعديلات القضائية، بما يفسح المجال لعودة الهدوء مجددًا.. فهل هذا يكفي وهل انتهت المشكلة؟ الجواب ببساطة لا، لأن الشرخ المجتمعي عميق وعميق جدًا بين التيار الديني ممثلًا بالحريديم الراغبين والطامحين بحكم (إسرائيل) وفق الشريعة التوراتية، والتيار العلماني الليبرالي ممثلًا في الأشكناز الغربيين الراغبين بـ"دولة ديمقراطية لا دينية"، فالهدوء المنتظر في الشارع الإسرائيلي هو ما يسبق العاصفة، كون أن بعض القيادات الشبابية من التلال السبعة أو الشبيبة، ومن يتبعون المتطرفين سموتريتيش وبن غفير، تواقون لإشعالها مهما كانت النتيجة، فنظرتهم إلى العلمانيين الصهاينة أسوأ من نظرتهم للفلسطينيين، فهؤلاء يعتبرون الطرفين كفارًا وأغيارًا يجب أن يخضعوا لحكم الشريعة اليهودية.
(إسرائيل) الثالثة.. ذاهبة إلى الاحتراق الداخلي، بمعنى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، والتاريخ اليهودي مليء بالقصص والروايات عن حروب أهلية بين اليهود.
(إسرائيل) الثالثة جرى زرع بذور الفتنة التوراتية من داخلها، وسواءً خرجت من هذه الأزمة أم غرقت بوحلها فإن نبوءة الأجيال تشي بأن اليهود لا يمكنهم العيش سويًّا، وأن إيهود باراك قالها مع بداية ازمة التعديلات القضائية، أنه لولا وجود عدو اسمه الفلسطينين، لدخلنا منذ سنوات في حرب أهلية دموية لا تتوقف إلا بتوقف نبض الحياة لقلب (إسرائيل) أو الانشقاق إلى دولتين أو ثلاثة والأسوأ أن المتطرفين لا يقبلون بنا.
(إسرائيل) الثالثة ذاهبة إلى الاحتراق الداخلي، وكل الذين يراهنون على قوة مؤسساتها الديمقراطية ونظامها السياسي وقوة جيشها وأجهزتها الأمنية، ووجود عدو اسمه فلسطيني فإنهم واهمون، والعداوة بينهما أكثر قوة من عداوتهما للأغيار الفلسطينيين، والعرب، فالانفجار من داخلها قادم لا محالة ونهايتها أقرب مما يظن الكثيرون، وكتب التاريخ تنبئنا بأن لعنة الأجيال في صفوف المتطرفين وميليشيات سموتريتيش و"بن غفير" تتهيأ للانقلاب والهيمنة على (الدولة) والمجتمع اليهودي والحكم بسيف التوراة آجلًا أم عاجلًا...ويبقى السؤال. هل نعيش نهايات (إسرائيل) الآن أم يتأخر الاحتراق لسنوات أخرى؟
الأيام القادمات تجيبنا عن ذلك.