حين يكون الشعب على وعي بحقوقه، وبجدوى الحياة الديمقراطية له، يكون قادرًا على إسقاط الديكتاتورية في أول خطواتها نحو التفرد والطغيان، وحين يكون رؤساء الأحزاب على درجة عالية من المسؤولية تجاه الشعب وتجاه الحياة الديمقراطية، يكونون قادرين على قيادة وعي الجماهير لعمل شعبي قادر على إسقاط الديكتاتورية قبل أن يستفحل خطرها.
لست معجبًا بمن يحتل بلادي، ولكني أجد في قادة الأحزاب الإسرائيلية، وفي الفئات المثقفة من الشعب ما يستحق الإعجاب، والوقوف عنده، لقد قرأ هؤلاء في تشريعات حكومة نيتنياهو الأسيرة عند المتطرفين، وعند مصالح نيتنياهو الشخصية روحًا ديكتاتورية تولد من رحم الكنيست لأسباب حزبية.
إضعاف القضاء، وسيطرة السلطة التنفيذية والتشريعية على سلطة القضاء يعني خلق مناخ جيد لنمو الديكتاتورية، ولا يوجد معنى آخر غير الدكتاتورية تقف وراء رغبتهم في السيطرة على القضاء، وإنهاء استقلاليته عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فئات المثقفين، وقادة الأحزاب، حركوا جماهير الشعب للتظاهر لحماية حقوقهم في حياة ديمقراطية، وقضاء مستقل، واستجاب الشعب وحطم ديكتاتورية نيتنياهو في مهدها، وأجبره على تعليق التشريعات، وعلى إجراء مفاوضات مع الأحزاب، ومع الشعب.
أول من أمس الاثنين ليلًا سقطت الديكتاتورية بمكوناتها سقوطًا مؤقتًا بحسب بعض قادة الأحزاب الذين طالبوا باستمرار المظاهرات، لأن نتنياهو ملك الكذب والخداع، ولأنه جبان أمام ضغوط سيموتريتش وبن غفير وغيرهم، هم يعرفون لغة بعضهم بعضًا، وهم لا يثقون بغير المادي الملموس، وهم يدركون أن الحكومة ستعود عن وعودها، ولن تقدم حلًا في المفاوضات.
هذا أمر لا يعنينا كفلسطينيين، فكلهم يحتل أرضنا، وكلهم مارس القتل ضدنا، وما زالوا يتفقون على قتلنا ونفينا من الوجود، ولكن ما يهمنا هو درس (الوعي بالحقوق وبالحياة الديقراطية)، وكيف نستفيد من الدرس في مقاومة الديكتاتورية التي تربعت على عرش السلطة الفلسطينية، وسيطرت على القضاء الفلسطيني، وهدمت المجلس التشريعي، وتجاهلت الانتخابات، وتزعم أنها فعلت ذلك من أجل الشعب والقضية؟
الديكتاتورية لا تخدم شعبًا، ولا تقدم حياة ديمقراطية، الديكتاتورية عدوان وتسلط، وفردية، وحكم مطلق، وفساد، وإفساد، وإضاعة للشعب وللقضية، وقتل للوعي، وإذلال الشعب بالوظيفة ولقمة العيش، وهذا هو حالنا في فلسطين.
ما أود قوله في ختام مقالي هذا أنه يجدر بشعبنا استعادة وعيه، ويجدر بقادة أحزابنا استعادة روح المسؤولية، والعمل معًا لمواجهة الديكتاتورية، والذهاب معا إلى فصل حقيقي بين السلطات، وأن يكون صندوق الاقتراع حكمًا وحيدًا بين المتنافسين.