فلسطين أون لاين

الذكرى الـ 47 لتضحيات محفورة بذاكرة الأجيال

تقرير شهداء يوم الأرض .. دماءٌ حافظت على الهوية وأفشلت مخطط التهويد

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

مواجهات عنيفة بين شبان بلدة سخنين وقوات جيش الاحتلال سبقت ليلة 30 مارس/ آذار 1976، حينما هبًّ الأهالي دفاعًا عن أرضهم يتصدون بصدورهم لمخطط مصادرة الأرض.

صبيحة الثلاثين من آذار، بدأت مكبرات الصوت تعلن عن منع التجوّل، فيما أعلنت "وزارة العارف" استمرار العملية التعليمية وفتح أبواب المدارس، كمصيدة يتم من خلالها اعتقال المعلمين بتهمة مخالفة قرار منع التجوال.

كان خضر عيد خلايلة (24 عامًا) أحد الشباب الذين قادوا مواجهات التصدي، وآخر شاب جاءه رئيس المجلس المحلي للبلدة يطلب منه دعوة الشباب للعودة إلى بيوتهم، مهددًا إياه: "الجيش ناوي على شيء كبير"، وبنبرة إصرار وتحدي رفض خلايلة التراجع قائلاً: "الموت ولا المذلة، يا نموت كرماء يا بنعيش بعزة" وأعلن استمرار مواجهات الدفاع عن القرية: "ما بنام بالدار بدنا نحافظ على هويتنا".

منع تجوال

ترجع ذاكرة شقيقه أحمد (65 عامًا) أربعة عقود ونصف حينما كان عمره آنذاك 18 عامًا، ليعود منها بصورٍ ومشاهد يوم دامٍ لا زالت ملتصقة بها يروي لصحيفة "فلسطين": "في غمرة حظر التجوال، خلت معه الشوارع من المارة، سمع أخي صوت إطلاق نار، وبمجرد أن فتح النافذة ليرى ما حدث بالخارج، حتى انهال الرصاص على البيت، تخترق الجدران وخزانات المياه والنوافذ فنجى بأعجوبة حينها".

بعد وقتٍ قصير كانت البلدة على موعدٍ مع مجزرة إسرائيلية، على مقربةٍ من البيت أصابت قوات الاحتلال معلمة من عائلة خلايلة وعددًا آخرين، يحرك صوت شقيقه مشهدًا من بين الرصاص ورائحة الدماء: "خرج أخي من البيت لإسعاف السيدة، لكن جنود الاحتلال لم يعطه مجالاً، فأصابوه برأسه".

"كانت المسافة بيننا عدة أمتار، ذهبت إليه واحتضنت رأسه، كانت الدماء تنزل من رأسه، لكن لا زال هناك نفس ونبضات قلبه لم تتوقف، نظرت حولي على أمل إيجاد سيارة تنقله للمشفى فلم أجد، ثم أحضر جارنا سيارته، ووضعت رأسه على ركبتي وتوجهنا للمشفى" هكذا عاش بعضًا من اللحظات المرعبة التي لا تنسى.

اقرأ أيضاً: دعوات للمشاركة الواسعة بفعاليات إحياء يوم الأرض

بملابس تبللت بالدماء، ويد تحاول إيقاف النزيف، أنفاسٌ بدأت تخفت، وصوت شقيقه مصحوبًا بالقلق يطلب من السائق الإسراع لأجل محاولةِ اسعافه، لكنهم اصطدموا بحاجز إسرائيلي، طلب منهم التوقف معه انهارت آمال شقيقه: "احتجزنا مدة 20 دقيقة، كنا نتجادل معهم أريد الذهاب للمشفى، لكنهم أعاقونا بأسئلتهم يسألون عن اسم أخي، وسبب إصابته، وكيف حدثت".

ذاكرة محفورة

سمح لهم الجنود بالمغادرة نحو المشفى "بعد فوات الأوان" وأثناء مسيرة السيارة خرجت شهقة قوية من فم شقيقه أدرك أنها علامة على استشهاده، تزامن مع وصوله المشفى، لم يمكث بداخلها سوى خمس دقائق ثم دخل عليه ووجده مغطىً بالكفن".

خلال ذلك اليوم ارتقى ستة شهداء دافعوا عن الأرض والهوية، وهم خيري أحمد ياسين (23 عامًا) من سكان عرابة البطوف، خديجة قاسم شواهنة (23 عامًا)، رجا حسين أبو ريّا (23 عامًا)، خضر عيد محمود خلايلة (30 عامًا)، وثُلاثتهم من سخنين، محسن حسن سيد طه (15 عامًا) من كفر كنّا، ورأفت علي زهدي (21 عامًا) من مخيم نور شمس."

في الذكرى الـ 47 لتلك المجزرة المحفورة في ذاكرة الشعب الفلسطيني، يعتبر خلايلة 30 مارس/ آذار عام 1976 يومًا مفصليًا كسر حاجز الخوف بين الجماهير العربية وسلطات الاحتلال، يعبر عن فخر واعتزاز أهل الداخل المحتل بشهدائهم".

بنبرة مختلطة بين الحزن والفخر يصف الشهداء بأنهم "نبراس أضاؤوا طريق الحرية والحفاظ على الهوية والكرامة" بعدما قدموا أغلى ما يملكون من دمائهم وأرواحهم لتحيا الأرض والشعب، متممًا بصوتٍ لا زال يسكنه الحزن: "استقبل اليوم بحزن وألم على فقدان أخي الذي كان المعيل الوحيد للعائلة حينها، ومن ناحية أخرى بعزة بأنه نال الشهادة وانتقل إلى بارئه".

يقول: "نحن شعب يريد العيش بكرامة، ودماء هؤلاء الشهداء أعادت الأرض لأصحابها بعدما أراد الاحتلال السيطرة عليها، واليوم هي مزروعة بأشجار الزيتون، وحدها تلك الدماء افشلت مخطط الاحتلال تحت عنوان "تطوير الجليل" والذي كان عملية تهويد".

6.jpg
 

استمد شقيقه الشهيد قوته من الأرض التي عمل وترعرع فيها وكان يعمل على جرار زراعي "تراكتور" ويحرثها، أحب الأرض كثيرًا ورفض التنازل عنها حتى لو دفع حياته ثمنًا لذلك.

وتعود أحداث يوم الأرض إلى 30 آذار/مارس عام 1976، عندما هب فلسطينيو الداخل، ضد استيلاء الاحتلال على نحو 21 ألف دونم من أراضي القرى الفلسطينية بمنطقة الجليل، ومنها عرابة، سخنين، دير حنا، وعرب السواعد، وغيرها، لصالح إقامة المزيد من المستوطنات، في إطار خطة “تهويد الجليل”

وصاحب ذلك اليوم إعلان الفلسطينيين الإضراب العام، فحاول الاحتلال كسره بالقوة، ما أدى إلى اندلاع مواجهات، أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابة واعتقال المئات.

ومنذ ذلك الوقت، يعتبر يوم الأرض حدثًا محوريًا في الصراع على الأرض، ويومًا وطنيًا بارزًا في تاريخ النضال الفلسطيني وحياة شعبنا سواء داخل فلسطين أو خارجها، بحيث تشهد هذه المناسبة فعاليات وتحركات شعبية فلسطينية عديدة تؤكد وحدة شعبنا وتمسكه في أرضه.