فلسطين أون لاين

​مئة لوحة للرسامة لبنى خميس حبيسة المنزل تنتظر معرضًا يحتويها

...
لبنى خميس الهترية (أرشيف)
غزة - يحيى اليعقوبي

بألوان خشبية وزيتية ومائية تبهر لبنى خميس الهترية (21 عاما) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، عائلتها ومن عرفها وتابعها برسوماتها التي تعبر عن موهبتها في الرسم، تبدع برسم الشخصيات "بورتريه"، وتخطها ريشتها كذلك على القماش بألوان "اكريلك" فتبحر في خيالها لتنسج لوحات عن الحياة والأمل والحرية والوطن وغيرها من العناوين.

أكثر من 100 لوحة موجودة في منزلها، جزء منها تزين به المنزل، والجزء الآخر حبيس الأدراج فطموحها بإنشاء معرض خاص لها تعرض فيه رسوماتها لم يتحقق بعد، وفي أول مدخل بيتها تجد بروازًا للوحة رسمتها قبل نحو 6 سنوات لدلو مياه تسقط منه حبات من "التفاح"، أعجب والدتها فوضعته على مدخل المنزل، وبجانبها لوحات لطيور السلام، ولوحة أخرى للقدس مقسومة لنصفين أحدها بالأبيض والأسود وهي محرر على يد صلاح الدين، ونصف يعبر عن انتفاضة القدس، فلا تخلو غرف المنزل من لوحاتها التي تزينها.

بداية الموهبة

خطت حكايتها مع موهبة أحبتها وهي في سن سبعة أعوام، كانت تقلد اختها الأكبر سنا "رويدا"، والدها الذي ورثت عنه الرسم كذلك، وفي أحد الأيام، قامت برسم نسخة مطابقة لمنظر طبيعي "برواز" معلق ببيت عائلتها، لفتت هذه الرسمة، نظر والدها وشقيقتها إلى موهبة لبنى، فمثلت نقطة الانطلاق، وبدأ والدها بشراء ألوان ودفاتر رسم لها لتطويرها.

بعد ذلك توفي والدها، وغادرت العائلة قطاع غزة واستقرت في مدينة الإسكندرية بمصر لنحو ثماني سنوات، اكتشفت مدرسة الرسم الموهبة أيضًا، وكان الرسم هو عامل التقارب الأساسي بين الطالبة ومعلمتها، كما أن المدرسة أحبتها لأنها فلسطينية، وفي كل حصة رسم كانت رسومات هذه الفتاة الصغيرة تبهر معلمتها أكثر.

وفي ذات مرة، أبلغ ممثلون من وزارة التربية والتعليم المصرية أنها تنوي زيارة هذه المدرسة الواقعة في مدينة الإسكندرية وتحديدًا في محافظة "العمرية"، كلفت مديرة المدرسة مدرسة الرسم بالقيام بكل ما يلزم لإظهار الشكل الجمالي لجدران المدرسة، فقامت بدورها باختيار لبنى لتساعدها، فقامتا برسم جداريات عدة، أثار ذلك انتباه مسؤولو الوزارة، مستغربين كيف لطفلة بالصف الثالث الابتدائي رسم جداريات على الحائط، وشجعوها على الاستمرار وتوقعوا لها مستقبلاً في عالم الرسم.

ولم تقف موهبة لبنى عند هذا الحد في مصر، ولأن معلمة الرسم التي كانت دائمًا حريصة على تطوير قدرات هذه الطفلة الصغيرة، أرسلتها للمشاركة بمعرض نظمته وزارة التربية والتعليم يتحدث عن "المياه" ولكن كان السن الأدنى للمشاركين لا يقل عن 12 عامًا، ومع ذلك شاركت لبنى رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز تسعة أعوام، وحصلت على المرتبة الأولى في المسابقة التي نظمت على مستوى محافظة "العمرية"، وتستعيد ذلك المشهد قائلة: "رفعت هذه المسابقة من معنوياتي بأن استمر وأطور نفسي".

وعن علاقتها بمدرستها تقول: "كان اسمها زينة وأحبتني لأني فلسطيني، فكنت أمضي أغلب الوقت معها وليس مع الطالبات، فأسستني على قواعد الرسم"، كما أن تلك المدرسة اصطحبت لبنى للمشاركة بمعرض رسم خاص بالمعلمات، لكي تستفيد فحصلت على اشادات كثيرة لرسوماتها.

انقطاع وعودة

وبعد نحو 8 سنوات من وجودها في مصر، عادت لبنى وعائلتها إلى قطاع غزة وهي بعمر 15 عامًا، استمرت بالرسم لمدة عامين، تستذكر رسمة مفضلة على قلبها وهي لوحة مكونة من دلو مياه فارغ يسقط منه فاكهة، أعجبت عائلتها التي وضعته على مدخل بيتها منذ تلك المدة حتى اليوم، هذا الموقف شجعها أكثر على الاستمرار، مستعينة بالصور والفيديوهات على الانترنت.

ثم انقطعت عن الرسم لمدة عامين، نظرًا لمعاناتها من آلام في الرقبة نتيجة كثرة مكثوها للرسم، وكانت تتلقى العلاج الطبيعي عند طبيب يدعى فؤاد النواجحة، فتقول: "شجعني هذا الطبيب كثيرا على العودة للرسم، خاصة أن لديه موهبة فنية، وكان دائمًا يرشدني في رسوماتي".

ماذا يعني الرسم بالنسبة لك؟ سؤال لم تتأخر بالإجابة عنه قائلة: "الرسم حياة.. بدونه لا استطيع التنفس، وبه أفرغ عن نفسي".

دخلت لبنى الجامعة وتخصصت في الفنون الجميلة، وفي أولى محاضرة لها بمادة "التصوير" طلب المحاضر من الطالبات والطلاب رسم فخار وفاكهة وضعهم أمامهم، وتكمل: "كانت المفاجأة بأني حصلت على أفضل تقييم على مستوى الطلاب والطالبات، فكانت دافعًا للاستمرار للأمام".

نجاح وطموح

ما سبب قوة رسمك عن باقي الطالبات رغم أنك بسنة أولى؟ كان السؤال موجها من مدرسة الفنون الجميلة بالجامعة، بعد أن طلبت من طالباتها رسم شخصية، فأعجبت بلوحة لبنى، وطلبت منها بأن تقوم بإحضار دفتر رسوماتها الموجود بمنزلها لتعرضها على مشرفة الفنون الجميلية بالجامعة، فردت لبنى بثقة على ذلك السؤال قائلة: "دخلت الجامعة وأنا جاهزة".

وتتحدث لنا عن مادة الأشغال الفنية قائلة "ذات يوم طلبت المدرسة من الطالبات إعادة تدوير زجاجات مياه قديمة لشكل جديد، فقامت لبنى بعمل منظر كوخ من الزجاج وعجينة الصلصال، استغربت المدرسة من هذا الإبداع، ولفت انتباه بطلة قصتنا لموهبة أخرى تستطيع بها تطوير ذاتها".

وشاركت بالعديد من المعارض الفنية خلال السنوات الأخيرة، وفي أول معرض لها شاركت به بغزة عن القدس، قبل عامين، نظمته مؤسسة رواسي الثقافية، بدأت لبنى بالتعرف على زملائها الرسامين، والاستفادة من نصائحهم لها، وكانت النتيجة بعدها بعام، فشاركت بمسابقة عن ذكرى "النكبة".

وتواصل "كان الإعلان عن الفائزين بعد أسبوع، فحينما ذهبت لاحتفال التكريم لم أجد لوحتي، اعتقدت أني لست من الفائزين، وخلال التكريم ازيح الستار عن لوحتي وكنت من الخمسة الأوائل.. شعور الفوز دفعني للاستمرار".

وتتمنى لبنى بأن يكون لها معرض بغزة، ولها اسم معروف برسوماتها، بأسلوبها الخاص، مضيفة: "في كل لوحة انتهي منها، أظل نحو ربع ساعة أعاين نقاط الضعف فيها كي أتجنبها خلال اللوحات القادمة، مستعينة بنصائح شقيقتي الكبرى وبعض الرسامين.. لأني أريد الاستمرار أكثر".