فلسطين أون لاين

لن تعود إسرائيل إلى سابق عهدها

وأخيرًا، انفجر المجتمع الإسرائيلي، وأخرجت الأحداث المتلاحقة في شوارع تل أبيب ما يتفاعل في أحشائها من تناقضات واختلافات وصراعات، فهذا المجتمع الذي تمت لملمته وجمعه على عجل، ومارس كل أشكال الإرهاب ضد الفلسطينيين، ومنحته الأمم المتحدة صفة دولة، هذا المجتمع الإرهابي انكشف على حقيقته الهشة، وكشفت المصالح المتعارضة لقيادته عن شرخ عميق في التكوين النفسي لمجتمعين يهوديين متناقضين في أشياء كثيرة.

لقد أسهمت جملة من الأسباب الداخلية والخارجية في تفجير التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، ليبقى التعصب الديني، وتنامي التطرف من أهم الأسباب التي تمزق الإسرائيليين، بين مجتمع علماني أو مجتمع ديني، مجتمعان متباعدان عن بعضهما في الكثير من المواقف والرؤى والتفكير، وفي التعاطي مع المتغيرات السياسية.

العلمانيون يعدون أنفسهم أصحاب الدولة، وهم من أسسها، وهم أصحاب رأس المال والشركات والمؤسسات، وهم عمود الجيش الفقري، الذي أقام هذه الدولة، الجيش الذي يخلو من المتدينين، الذي يمتصون خير البلاد، ولا يقدمون شيئًا، وفق رأي العلمانيين.

المتدينون في المجتمع الإسرائيلي يعدون أنفسهم أصل الوجود لهذه الدولة، التي تأسست من منطلقات عقائدية، وإذا كان العلمانيون هم أصحاب المبادرة، فإن القاعدة التي قامت عليها الدولة هي الكتب الدينية، التي يدرسها هؤلاء المتدينون، وعليه فالمتدينون يرون أنفسهم أصحاب الفكرة، وهم الأحق في الدولة التي يجب أن تعتمد الشريعة التوراتية، وأن تسير على هدي التعاليم الدينية المتوارثة.

الصراع داخل المجتمع الإسرائيلي صراع عميق جدًا، صراع خطير، ومن الصعب تجاوزه، أو الالتفاف عليه، في الوقت الذي يمسك المتدينون الصهاينة بتلافيف السلطة، وهم يعدون أنفسهم الشرعية والقانون، وأنهم المنتخبون من الشعب، ومن حقهم إعادة صياغة قوانين الدولة وفق قناعاتهم، ما دام كانوا يمثلون الأغلبية.

المظاهرات في الشوارع الإسرائيلية ستشهد المزيد من التصاعد في قادم الأيام، وإذا نجح العلمانيون الصهاينة في الحصول على دعم الحزب الديمقراطي الأمريكي، وتمكنوا من شل مؤسسات الدولة، فالمُتدينون الصهاينة لهم أنصارهم، وهم جاهزون للخروج إلى الشارع، والاصطدام مع العلمانيين، في معركة كسر عظم، معركة سيصطدم فيها الإرهاب العلماني بالإرهاب الديني، معركة قد تنجح الوساطات والتدخلات الخارجية والداخلية في تأجيلها، ولكن إلى حين، فهذه المعركة بين المتناقضين قائمة في كل لحظة، وقادم الأيام يحمل المفجر لحرب أهلية، ستمزق دولة أساسها الإرهاب والأكذوبة.