لا يمكن الفصل بين ما يجري على أرض الضفة الغربية من تعطيل للدراسة، ومجمل السياسة الفلسطينية، فالذي يتجاهل القيمة الروحية والمعنوية والثقافية للمعلم الفلسطيني، يتجاهل تاريخ الإنسان الفلسطيني على هذه الأرض، ويطمس معالم المستقبل، الذي يشكل فيه الطالب الدعامة الرئيسة، فكل تجاهل لمطالب حراك المعلمين، هو قفز عن مصالح الطلاب، لا يصب إلا في خانة التدمير المتعمد للقدرات الفلسطينية، وفي كل ذلك خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي، الذي يتربص بالشعب الفلسطيني، ويعمل كل الوقت على تجهيل الإنسان بقضيته وهويته.
ولا تنهض العملية التعليمية على أرض فلسطين دون النهوض بمكانة المعلم الاجتماعية والمادية معاً، فالمعلم الخائف على مستقبله، وغير القادر على توفير الحاجيات الضرورية لأسرته، هو إنسان ضعيف، وغير قادر على العطاء لطلابه بكفاءة، وغير مهيَّأ نفسياً ليطفئ شمعة العمر بين السبورة ومقاعد الطلاب، ومن حق زوجة المعلم أن تقارن بين حياتها وحياة أسرتها، وبين حياة نظير زوجها الذي يعمل في أجهزة أمن السلطة، ومن حق المعلم أن يتظلم من واقعه البائس، وهو يرى نظيره الموظف في الأجهزة الأمنية يتمتع بكل الحقوق والامتيازات والدرجات والترقيات التي لن يرتقي إليها مجموع المعلمين.
حراك المعلمين في الضفة الغربية يهدف إلى تحسين أوضاع المعلمين المعيشية، لا يهدف إلى رفاهية العيش، ولا يسعى إلى الإشباع المادي لكل متطلبات الحياة، حراك المعلمين الذي يستقطب عموم المعلمين من شمال الضفة الغربية وحتى جنوبها، أثبت قدراته واتزانه في قراراته، وعدم استعداده للتفريط بحق المعلم أمام وعود كاذبة، وبيانات لا تقدم رغيف خبز، ولا توفر ثوباً لأطفال المعلم.
وبدل أن تستجيب الحكومة في رام الله لمطالب حراك المعلمين العادلة، راحت تماطل، وأصدرت أكثر من بيان تدعو فيه المعلمين إلى العودة إلى التعليم دون أن تحقق مطالبهم الرئيسة، وحين فشلت في دعواتها الزائفة، حاولت تمزيق موقف المعلمين الموحد، فدعت أنصارها من المعلمين إلى عدم الاستجابة لنداء حراك المعلمين، ولكن دون جدوى، وقتئذٍ لجأت الحكومة إلى الإعلان عن زيادة وهمية، وعن التوقف عن خصم الراتب، ولكن هذه الحيلة لم تمر على حراك المعلمين، فلجأت الحكومة إلى المساجد وأعلنت عبر مكبرات الصوت استئناف الدراسة، ولكن المعلمين ظلوا على موقفهم، ورفضوا الخنوع لأكاذيب الحكومة، فكانت آخر إبداعات الحكومة تأسيس المجلس المركزي لأولياء الأمور، الذي انحصرت مهمته في دعوة الطلاب إلى العودة للدراسة صباح يوم الأحد، وبرفقة الأهالي، في محاولة لطعن المعلمين في الخاصرة.
المجلس المركزي لأولياء الأمور صنيعة السلطة، يرفع الشعارات الوطنية البراقة، ويسقط مضمون العدالة من الذاكرة، وهو يلتف على مطالب حراك المعلمين من جهة، ويغلق فمه عن أهمية المساواة في الراتب بين المعلمين والعاملين في الأجهزة الأمنية من جهة أخرى، المجلس المركزي لأولياء الأمور لا يدرك أن المجتمع الفلسطيني يأبى العيش بين سادة برواتب كاملة للأجهزة الأمنية مع الامتيازات، وبين عبيد هم بقية الموظفين، يُرمى لهم بفتات الراتب.
طلاب المدارس وأهاليهم يقفون سنداً للمعلم، ولن تجد دعوة المجلس المركزي لأولياء الأمور أي استجابة في الشارع الفلسطيني، وسيواصل المعلمون خطواتهم النضالية إلى أن تتحقق جميع مطالبهم.