تعج الأسواق في قطاع غزة في شهر رمضان بأصناف مختلفة من المخللات الشهيرة غزِّيًا بـ"الطراشي"، ويحرص أصحابها على عرضها بطريقة مرتبة لتشكل ما يشبه لوحة فنية تجذب المتسوقين إليها.
وتعد المخللات من الأطعمة المميزة بالنسبة للغزِّيين في شهر رمضان، وتكاد لا تخلو مائدة إفطار من أطباق بأصناف هذه المنتجات الغذائية المحلية، بالرغم من ما يحمله الإفراط في تناولها من مخاطر قد تنعكس سلبيًا على صحة الإنسان.
ففي سوق الزاوية التاريخي أحد أشهر الأسواق في مدينة غزة، يعرض أنس الحلو (38 عامًا) على بسطة كبيرة أكثر من 10 أصناف من المخللات، ويبدأ في التحضير لبيعها قبل رمضان، ضمن استعداداته لتحقيق ربح وفير في هذا الموسم.
وقال الحلو لصحيفة "فلسطين": إنه يبيع المخللات طيلة أيام العام، لكنه يركز اهتمامه الكبير وجهده في شهر رمضان، بسبب تزايد الطلب عليها.
لكنه أشار في نفس الوقت إلى أن تردي الأوضاع الاقتصادية بغزة أدى إلى تراجع الحركة الشرائية في الأسواق عامة.
مشروع صغير
ويلجأ الحلو إلى شراء المخللات من المصانع التي تنتجها في غزة، ويقول إنه يملك خبرة جيدة في صناعة أنواعها المختلفة، لكنه يفتقد الإمكانيات اللازمة لافتتاح مشروع خاص لعدم توفر رأس المال الكافي؛ والذي يقدر بنحو 5 آلاف دولار للبدء بمصنع صغير لإنتاج وتعليب المخللات.
ويجلب الحلو كميات محدودة من المخللات التي يكثر الإقبال عليها كالجزر والخيار واللفت والفلفل والليمون، بما يلائم الحركة الشرائية في رمضان.
وتمر صناعة المخللات بعدة مراحل، تبدأ بانتقاء أصناف الخضروات والحمضيات المراد تخليلها، وهي أساس نجاح عملية الإنتاج، ويتبع ذلك غسلها وإزالة الأتربة والرمال الملتصقة بها.
وبعد ذلك تمر بعملية التخليل لوضع الأصناف المختلفة من الخضروات وغيرها بمحلول ملحي في براميل صغيرة وكبيرة خالية من الهواء، بما ينسجم مع تعليمات ومعايير الوزارات الحكومية المختصة بمتابعته.
موسم له حساب
والعديد من المحلات التجارية المنتشرة في أسواق غزة ومناطقها المختلفة، لا يبيعون المخلّلات إلا في شهر رمضان، كما يفعل مصطفى العمارين (31 عامًا) الذي يعمل في شركة تجارة عامة تتخذ من وسط مدينة غزة مركزًا لها.
ويضع العمارين بسطة كبيرة أمام المحل التجاري يعرض عليها أصنافًا عديدة من المخللات، تلك السلعة التي يرغبها غالبية المواطنين.
ويعرض العمارين نوعين من الفلفل الحار ذي اللون الأصفر والأحمر المطحون، ويقول إنه يبيع منهما قرابة ألف كيلو.
ويمضي إلى القول أن تجارة المخللات في رمضان "عادة ما نحسب لها ألف حساب خاصة عندما يتعلق الأمر بالحركة الشرائية وقوتها في بدايات الشهر، والتي تبدأ بالتراجع بعد منتصفه، حتى لا نضطر إلى الاحتفاظ بكميات فائضة من المخللات ما يجعلها معرضة للتلف أو تغير في طعمها بعد مرور أكثر من 4 شهور".
ونصح العمارين الشباب المتعطلين عن العمل بالاستفادة من الموسم الرمضاني ببيع المخللات وتوفير قوتهم خاصة في الشهر الفضيل.
ويفعل ذلك بشار الريفي (23 عامًا) الذي بيع المخللات كتجارة موسمية فقط في رمضان، إلى جانب عمله في بيع مأكولات شعبية مثل وجبات الطحال والفشة والكبدة في سوق فراس وسط مدينة غزة.
ويبيع الريفي خلال شهر رمضان قرابة 400 كيلو لأكثر من 10 أصناف من المخللات، وقد يحتاج أكثر في بعض الأحيان لتلبية احتياجات الزبائن.
عواقب وخيمة
ويتميز المخلل بطعم حامض يميل للملوحة، لكن الإكثار من تناول هذه المنتجات ينطوي على عواقب صحية وخيمة، كما يؤكد خبير التغذية د. حازم برغوت.
ويضيف برغوت لـ "فلسطين": أن كثيرًا من الصائمين يشعر بميوعة في جسمه في الأيام الأولى للصيام، ويشعر أنه بحاجة إلى أملاح لمعادلة ذلك، لكن هذه الأملاح التي تحتوي عليها المخللات ممكن أن تحدث أكثر من مشكلة في جسم الإنسان.
ويلفت إلى أن المخللات يمكن أن تتسبب بمشاكل صحية في الكليتيْن لما تحتوي عليه من أملاح خاصة في شهر رمضان الذي يحتاج فيه جسم الصائم إلى تروية مائية بعد الامتناع عنها لأكثر من 15 ساعة.
ويبيّن أن الكيلتين تتعرضان لضعف التروية المائية والدموية في فترة الصيام، وتناول الأملاح بكثرة بعده يؤدي إلى رفع نسبة هرمون "ألدوستيرون"، المسؤول عن حبس المياه والسوائل داخل الجسم؛ ما يحدث تدهورًا حادًّا في وظائف الكلية، كما تتسبب الأملاح أيضًا بانتفاخات وسوء هضم في المعدة.