1 / 2
أعتقد أننا فلسطينيًا سنكون أعظم أهل الأرض سعادة، إذا انتظمت العلاقة السعودية الإيرانية جيّدًا وبحدها الأدنى؛ ما يحقّق إغاظة لأعدائنا ويبعدنا عن معسكر التطبيع، فنحن وقضيتنا نتأثر إيجابيًّا مباشرة وبسرعة من حالة الوفاق، إذ نحن ندرك تمامًا وفي أثناء المراحل السيئة للعلاقة التي شابت هذه العلاقة مدى انعكاس هذا على قضيتنا التي نعتبرها قضيّة الأمة المركزية، فقضيةٌ بحجم القدس وفلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم بمعزل عن العالم العربي والإسلامي، وكفاهم الفلسطينيون شرّ القتال، بالتأكيد الفلسطينيون هم رأس الحربة، بينما جسم هذه الحربة هو الأمتين العربية والإسلامية. فحالة التنافر والتدابر والكلّ يغنّي على ليلاه هي الوصفة الفضلى للاحتلال الإسرائيلي، وهي التي تجعله يتمطّى ويمدّ رجليه ويمعن في جرائمه، وينهش بعض الدول بأنياب التطبيع السامّة.
الفلسطيني يأمل دومًا رأب الصدع وتحسين أوضاع الجبهة الخارجية، والتي من المفترض أن تكون داعمة وأن تشكّل عمقًا أمنيًّا للفلسطينيين، فلا يمكن أن تتحرّر فلسطين إلا إذا حظيت مقاومتها بما يشدّ عضدها ويقوّي عزيمتها ويدعم صمودها سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا وإعلاميًّا إضافة إلى كل مجالات الدعم والنصرة، فالسعودية وإيران دولتان كبيرتان ووازنتان وتلعبان دورين كبيرين إقليميًا ودوليًا، وقد عانينا نحن الفلسطينيين من حالة التنافر بين الدول المحيطة بنا، ما انعكس سلبيًّا على قضيتنا. أدرك أن لديهما كثيرًا من الملفات وأن الملف الفلسطيني ليس هو الوحيد أو أنه صاحب الأولوية الأولى في البحث بين الدولتين، وهنا لنا أن نأمل في أن تحظى القضية الفلسطينية باهتمامٍ يتناسب مع حجمها وحجم ما يتعرض له إخوانهم الفلسطينيون من أذى ومحاولات جادة إسرائيليًّا هذه الأيام لحسم الصراع بكلّ ساديّة وتوحّش وعنجهيّة.
تاريخيًّا عندما تحوّل النظام الإيراني من حكم الشاه إلى حكم الثورة الإسلامية استبشرنا خيرًا، وأعتقد أن الفلسطينيين كانوا أكثر الناس تفاؤلًا وأملًا؛ لما صاحب ذلك من توقّعات وما كان من إجراءات أهمّها تحويل السفارة الإسرائيلية في طهران إلى مكتب لمنظمة التحرير، ثم وقعت دولتان وازنتان في سياسة عرفت فيما بعد بسياسة الاحتواء المزدوج، إذ نجح أعداء الامة في إشعال حرب بين العراق وايران دامت ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس في اقتصاد البلدين، وأنهكتهما واستنزفت المال الخليجي الداعم في ذلك الوقت، وفتحت أسواقًا عالمية لتسويق خردة السلاح هنا وهناك.
ضاعت آمالنا نحن الفلسطينيين في لهيب تلك المعركة الطويلة، وتبدّدت أنفاسنا ونحن نترقّب انتهاء هذه المعركة، قبل أن يدرك الطرفان أنه لا يمكن للنظام الدولي أن يسمح بانتصار طرف على الآخر، وأدركوا أنهم قد أصبحوا فريسةً سهلةً لأعداء الطرفين، وافتعلوا بعد هذه الحرب حربين أخريين على العراق، ليدمّروا العراق ويوقعوه في حالة لا تسرّ صديق.
2 / 2
غرقنا وغرقت قضيتنا في محيط من التراجع والفشل وأصبحنا مكشوفي الظهر، ووقع العرب في حالة من التيه السياسي، ما أوصلهم إلى أن تطمع دولة الاحتلال في التطبيع معهم، فوصل هذا الاحتلال البغيض إليهم، بالرغم من تجلّيه بأبشع صورة استعمارية عنصريّة فظّة وقحة تمارس التوحّش والعدوان الدائم على كلّ المكونات الفلسطينية: الأرض والإنسان وأخطرها المقدّسات، هذا الذي يضرب بصلفه قلب كل عربي ومسلم عبر تدنيسه الدائم لأعظم مقدّساته المتمثلة في المسجد الأقصى، إذ يمدّ شباكه ليصطاد دولًا لتطبّع العلاقات معه. انظروا ما وصل إليه هذا العقل الصهيوني العفن، وهو يمارس الإجرام بيد ويمدّ الأخرى للتطبيع، أيّ وقاحة بعد هذه الوقاحة، ثم الأدهى والأمرّ أنك تجد من يمدّ يده من العرب ويوافق على هذا التطبيع الأسود.
لقد جاء هذا البريق من الأمل في أشدّ الأوقات حاجة إليه، وفي أشد ساعات الليل ظلمةً، ونحن الفلسطينيين المكتوون بنار التدابر والحماقة السياسيّة التي بات الجميع فيها، ليس في سياسة الاحتواء المزدوج التي وقعت فيها إيران والعراق كما أسلفت، ولكن قد يظهر مصطلح جديد يظهر أننا كنا في سياسة الاحتواء الشامل متعدد الأطراف. نحن في أشد الحاجة إلى هذه الخطوة التي تفتح أمامنا فسحة من الأمل الجديد، وتجعلنا نتطلّع إلى صياغة جديدة لمنظومة العلاقات الإقليمية والدولية من حولنا، بما يعزّز وضعنا ويقوّي الجبهة المساندة لقضيتنا.