يعيشون في خيام وبراكسات، تلفحهم حرارة الصيف اللاهبة وفي الشتاء يلدغهم البرد القارس. ينامون فيها ليلا ويصبحون بدونها. يضطرون للبحث عن كتبهم بين ركامها، ويحرمون من كافة خدمات البنى التحتية، إلا أنهم مع ذلك يصرون على إشهار سياسة التحدي لسلطات الاحتلال وهذه المرة بسلاح العلم، فحولوا أرض الصحراء القاحلة إلى أرض خصبة بالعلم.
في سابقة هي الأولى من نوعها في صحراء النقب، تمكن من بين فلسطينيي النقب 33 طبيبًا من النجاح في امتحان الطب العام الذي تشرف عليه وزارة الصحة الإسرائيلية، واجتياز امتحان القبول وحصولهم على الترخيص لمزاولة المهنة.
وحسب مصادر فلسطينية في النقب فقد تضمنت القائمة أطباء خريجين من مختلف القرى والتجمعات الفلسطينية في منطقة النقب التي تمتاز بطابع بدوي بينهم خريجون ممن يعيشون في قرى فلسطينية غير معترف بها، الأمر الذي من شأنه تحفيز شباب النقب على إكمال مشوارهم الأكاديمي.
وقال النائب العربي في كنيست الاحتلال (البرلمان) طلب أبو عرار: إن الناظر الى منطقة النقب، يرى نهضة كبيرة والتي تشمل جميع مجالات الحياة، فالفلسطينيون في النقب ورغم طابعهم البدوي، إلا أنهم يعطون التعليم أهمية كبرى وخير دليل على ذلك هو نجاح عدد لا يستهان به من الأطباء في امتحان مزاولة مهنة الطب.
وأضاف أبو عرار لـ "فلسطين"، أن هذا الإنجاز دلاله على إصرار أبناء النقب، في المضي قدما، رغم كل الظروف الصعبة وقلة الامكانيات التي تجابه المواطن العربي في البلاد عامة، وفي النقب بشكل خاص، إلا أن أرادتهم تبقى قوية في تخطي العقبات وتحديها وإزالة ما يعتريها لإكمال مشوارهم التعليمي في الجامعات وجهاز التعليم العالي في البلاد وخارج الوطن.
وأشار أبو عرار إلى أن المجتمع العربي في النقب مستهدف من قبل حكومة الاحتلال اليمينية، ونحن نؤمن أنه بالعلم نستطيع أن نواجه المؤامرة التي تحاك ضدنا في النقب.
ويعيش نحو 240 ألف من البدو الفلسطينيين في قرى صحراء النقب، بينهم 120 ألفا ضمن قرى معترف بها، 120 ألفا في قرى غير معترف بها، وبالتالي لا يستفيدون من الخدمات البلدية مثل المياه والكهرباء، ويعانون من نقص كبير في الخدمات الصحية والتعليمية، بحسب احصاءات إسرائيلية رسمية.
وكشف أبو عرار النقاب عن أنه ما زال هناك الآلاف من شباب النقب الذين يتعلمون في الجامعات، ولا نتوقع غير ذلك وهذه الصورة الحقيقة لفلسطينيي النقب حيث يحاول الاحتلال أن يصورهم على انهم لصوص أراضي وسراقين ليسهل له تمرير مخططاته التهويدية في النقب.
وتابع: "الاحتلال هو اللص وهو الذي يسرق ارضنا ، فنحن أصحاب ألأرض ولدنا فيها ونحن هنا قبل ان يأتي هؤلاء، ومهما حاولوا تشويه صورتنا وتزوير التاريخ إلا أنهم لم ولن يفلحوا".
وأكد أن "هناك إصرار في النقب على المضي قدما وتخطي الصعاب نحو مستقبل أفضل واوعى لتحسين الواقع وبالذات في نضالنا أمام كل الممارسات التعسفية الإسرائيلية من قبل حكومة (إسرائيل)، ولذلك لابد أن نثقف ونعلم أبناءنا في النقب ليكونوا على رأس النضال ورأس الحربة لإخراجنا من هذه المعاناة".
تمييز ضد الطلبة
ويقول الخبير في شؤون النقب ومدير وكالة نبأ، صقر أبو صعلوك: لو أعطت سلطات الاحتلال فلسطينيي النقب حقهم في التعليم وغيرها من الخدمات لكانت منطقة النقب مغرقة بالمثقفين.
وأضاف أبو صعلوك في حديث لـ"فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تتعامل مع فلسطينيي النقب على انهم أناس غير إيجابيين وتحرمهم من الخدمات والميزانيات ، وتحاول أن تظهرهم على أنهم سارقي أراضي ومتعدين على الحقوق العامة، لكن الحق لا يغطى فهناك اليوم آلاف الأطباء والمهندسين والمحامين وهناك اكتفاء ذاتي من المعلمين بعد أن كان يتم استيراد المعلمين من الجليل والمثلث في الداخل.
ولفت أبو صعلوك إلى أن العديد من فلسطينيي النقب يشغلون اليوم وظائف كبيرة في المستشفيات والمؤسسات التعليمية والأكاديمية المختلفة.
وقال: "نريد أن نتطور في قرانا وبلداتنا ومدننا وفي مناطق منظمة ولكن الاحتلال يعمل على إفشالنا".
وأضاف أن فلسطينيي النقب يعيشون في ظروف صعبة ومن تمييز عنصري حكومي، فالكثير من المستوطنين يأخذون أضعافًا مضاعفة من الميزانيات لكي يكونوا أفضل من الطلبة العرب في الداخل. لكنه استدرك أن فلسطينيي الداخل يعوضون ذلك الخل من خلال الإرادة والعزيمة التي يتحلى بها الطالب العربي في النقب.
وأشارت إلى أن نسب التعليم بين فلسطينيي النقب كان يمكن أن تكون أعلى لكن الكثير من أهالي النقب يضطرون إلى عدم تعليم بناتهن بسبب البعد الجغرافي للمدارس واضطرارهن للسير عبر الصحراء والجبال.
وأوضح أن فلسطينيي النقب لا يملكون غير سلاح العلم لمواجهة المخططات الإسرائيلية العنصرية التي تستهدفهم، والتوجهات الايديولوجية الكاذبة التي تسوقها عن عرب النقب.
واتهم ابو صعلوك سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمحاربة التعليم في النقب، مشيرا إلى وجود 5200 طالب في القرى العربية غير المعترف في الصفوف من الثالث وحتى الخامس فقط بدون أطر تعليمية، رغم أن القانون الإسرائيلي ينص على إلزامية التعليم في هذه المرحلة وإيجاد أطر تعليمية لهم، وهذا يؤدي في المقابل إلى تسرب آلاف الطلبة.
يشكو الفلسطينيون في النقب من تدمير الاحتلال لقراهم باستمرار، ونقلهم إلى أمكنة غير التي يعيشون فيها بالقوة.
ويقدر عدد الفلسطينيين في أراضي الـ 48 بمليون و800 ألف نسمة يتحدرون من 160 ألف فلسطيني ظلوا في أراضيهم بعد النكبة وقيام كيان الاحتلال في العام 1948. وهم يشكلون 19 % من المواطنين والمستوطنين في الداخل، ويعانون من التمييز خصوصا في مجالي الوظائف والإسكان، بحسب منظمات حقوقية والتي تؤكد وجود سياسة منظمة تستهدف البلدات العربية.