اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي يسعى الرئيس محمود عباس لعقده في الضفة يفتقد للإجماع الوطني ، ويتجاوز الاتفاقيات الوطنية، فثلاث قوى رئيسة هي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية أعلنت رفضها المشاركة في الاجتماع الذي يتحكم الاحتلال في الأشخاص المشاركين فيه لإصرار "أبو مازن" على عقده في الداخل .
ويهدف أبو مازن من عقد الاجتماع إلى تجديد الشرعيات المهترئة، وتعزيز هيمنة فتح على منظمة التحرير لا سيما ونحن نتحدث عن أعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني بحيث يقوم بتعزيز رجاله فيه وإقصاء مخالفيه، وإبعاد أتباع دحلان بعدما ضمن عدم مشاركة منافسيه داخل المنظمة من الجبهة الشعبية وخصومه خارجها من حماس والجهاد .
ووسط تخوفاته من المؤتمرات الفلسطينية التي عقدت في الخارج يتطلع عباس إلى تشكيل لجنة تنفيذية أكثر انصياعا له من الحالية، بعدما ظهر مناكفون له خاصة من الجبهة الشعبية، بحيث يضمن تفرده في القرار، وبما يمكنه من إعادة هيكلة المجلس المركزي لاحقا وفق رؤيته، وينفذ من خلاله ما يريد دون الحاجة لعقد المجلس الوطني، ما يحقق له توسيع نفوذه وتقوية مركزه رأسا للشرعية الفلسطينية دون منازع!!.
ولتحقيق تلك الأهداف انهمك مطبخ فتح السياسي بمشاركة من شخصيات تدور في فلك الرئيس صاحب النعمة عليها، وبعضها يحمل صفة قائد فصيل أو مستقل للاتفاق على آليات ومخرجات الاجتماع، وتبذل قصارى جهدها في تأمين مشاركة أكبر عدد من الفصائل من أجل إظهار خصمه الأكبر حماس، رافضة للتفاهمات وخارج الاتفاق الوطني، بيد أنه لا يعرف أحد على أي معايير سيستبدل عباس أعضاء المجلس الوطني الميتين أو فاقدي الأهلية نظرا لكبر سنهم .
بهذا يتجاوز أبو مازن عن سابق إصرار تفاهمات القاهرة 2005 واتفاق القاهرة 2011 حول تشكيل إطار قيادي مؤقت لمنظمة التحرير إلى حين إجراء انتخابات للمجلس الوطني، فلم يقم أبو مازن بدعوة الإطار القيادي عن عمد، فيما تنصل من تفاهمات بيروت الأخيرة التي تؤكد على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعد لانتخابات مجلس وطني في الداخل وحيثما أمكن في الخارج .
وربما يذهب أبو مازن بعيدا في عملية الإقصاء بأكثر من اضعاف المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حماس من خلال إعلان حل المجلس التشريعي ، معتبرا أن ذلك يسحب ورقة قوية من حماس هي الشرعية الانتخابية ويحرمها من تولي رئاسة السلطة إذا غاب الرئيس ولو لفترة مؤقتة 60 يوما، وعقد الوطني - كما يريد – يعني إلغاء كل الاتفاقات السابقة مع حماس وفكرة الإطار القيادي المؤقت، وقد يجد ترحيبا عربيا ودوليا لتمرير قوانين وقرارات تخدم توجهاته والنظام الرسمي العربي في حل ما للقضية الفلسطينية والتطبيع !!.
إن عقلية تعمل بهذا النهج في التعامل مع مؤسسات المنظمة وتستدعيها وقت الحاجة تنم عن فكر إقصائي لا يؤمن بالشراكة والتعاون من أجل الوطن، فإجراءاته كلها سلبت منظمة التحرير من كل جوهرها ومضمونها لصالح السلطة، وكان آخرها تحويل دائرة المغتربين إلى وزارة خارجية السلطة .
من حقنا أن نتخوف من إسراع عباس لعقد اجتماع الوطني بعيدا عن التفاهمات الوطنية وسعيه ربما لتمرير صفقة سياسية خطيرة وليس فقط تجديد شرعيته المفقودة !!.
ويمكن القول إن عقد اجتماع بهذا الشكل والمضمون يمثل اجتماعا لحركة فتح لا لممثلي الوطن ويكشف فكر قادتها التفردي وعدم القناعة بالشراكة الوطنية، ويمثل عملية إقصاء وترسيخ للانقسام بامتياز، وسيَنتج لا محالة ديكتاتور عربي جديد .