يقدّم "مؤشر الفتيان والشباب" في (إسرائيل) لعام 2022، الذي كشف المحلّل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت عن بعض معطياته، خلفيات وراء ما يحدث في (إسرائيل) ما يوصف بأنه انقلاب الحكومة اليمينية المتطرّفة على نظام الحكم المعمول به، وهو مؤشّرٌ واسع النطاق يجري إعداده كل ستة أعوام، فالسابق نُشر عام 2016 والذي قبله نُشر عام 2010، ويموّله صندوق مؤسسة فريدريش إيبرت الألماني، بالتعاون مع مركز ماكرو الإسرائيلي للاقتصاد السياسي، ويشمل الأجيال من سنّ 15 حتى 24 عامًا.
لعلّ أولى تلك الخلفيات وربما أهمّها أن المجتمع الإسرائيلي نفسه مؤهّلٌ في معظمه، سياسيًّا ودينيًّا وثقافيًّا، لتقبّل الانقلاب الذي يدور الحديث عنه، بالأساس بسبب تلاؤمه، حتى من ناحية بنيوية، مع ما يفكّر فيه، بل يمكن القول حتى إن هذا التلاؤم هو الذي فتح شهيّة اليمين الإسرائيلي المتطرّف، القومي والديني، لدفع هذا الانقلاب إلى تخومٍ مُحدّدة.
يشمل المؤشّر كذلك الفتيان والشباب العرب من فلسطينيي 1948، غير أن هذا التعليق يتوقّف حصريًّا عند ما أبان عنه بخصوص الفتيان والشبان اليهود، وأوّل ما يلفت النظر أنهم باتوا أكثر تديّنًاً. ففي مؤشّر 2016 عرّف 40% من هؤلاء الفتيان والشبان أنفسهم علمانيين (وهي نسبة مماثلة لمن عرّفوا أنفسهم علمانيين في مؤشّر 2010 في حين أن نسبة هؤلاء في مؤشر 2004 بلغت نحو 54%). أمّا في المؤشّر الحالي، فبلغت نسبة الذين يعرّفون أنفسهم بأنّهم علمانيون نحو 34%. وبلغت نسبة الذين عرّفوا أنفسهم يهودًا أرثوذكس في المؤشّر الحالي 22.2% (10% في مؤشّر 2016، و14% في مؤشّر 2010، و8.5% في مؤشّر 2004)، وبخصوص نسبة الذين عرّفوا أنفسهم متدينين قوميّين (من أتباع تيّار الصهيونية الدينية) فقد بلغت في المؤشّر الحالي 26.1% (15% في مؤشّر 2016، و11% في مؤشّر 2010، و10.2% في مؤشّر 2004).
وفيما يخصّ الانتماء السياسي والحزبي أظهر المؤشّر الحالي أن 58% من الفتيان والشبّان اليهود يعتبرون أنفسهم يمينيين إلى يمينيين متطرفين (نحو 37% في مؤشّر 2016)، وأن 6.2% يعتبرون أنفسهم يساريين إلى يساريين متطرّفين (6.3% في مؤشّر 2016)، وأن 27.3% يعتبرون أنفسهم وسطًا إلى وسط يميل نحو اليمين (34.2% في مؤشّر 2016)، وأن 8.6% يعتبرون أنفسهم وسطًا يميل إلى اليسار (7.9% في مؤشّر 2026).
ووفقًا لما قاله مُعدّ المؤشّر روبي نتانزون للصحيفة: لم يعد اليسار قائمًا في صفوف الشبيبة الإسرائيلية، ويكاد يكون أقرب إلى نسبة الخطأ في استطلاع المؤشّر منه إلى الوجود الفعليّ، كما أنّ ما يُسمّى "الوسط" تراجع كثيرًا وبات على وشك الاندثار.
وفحص المؤشّر موضوع تأييد المساواة بين الأجناس في أوساط المجتمع الإسرائيلي، وذلك في سبيل الاستدلال على مبلغ تغلغل المقاربة الظلامية المستندة إلى مسوّغاتٍ دينية، فأظهر أنّ نسبة المؤيدين لها بين الفتيان والشبان اليهود في تناقص مطّرد، وباتت 72.6% في مؤشّر 2022 (80.5% في مؤشّر 2016، و85% في مؤشّر 2010).
كما استطلع المؤشّر مدى ثقة الشبيبة الإسرائيلية بالسلطتين التشريعية (الكنيست) والقضائية، فأظهر أنّ نسبة الثقة بهما تدهورت إلى ما هو أدنى من 30%، وفي المقابل هناك ارتفاع ملحوظ في نسبة الثقة بمؤسّسات المنظومة الدينية، ما يعكس تعزيز نزعة التديّن أكثر فأكثر.
تلقي هذه المعطيات الضوء قبل أي شيء، على الجذور الحقيقية لمسألة صعود اليمين الإسرائيلي، ومواصلته الحكم على مدى عشرات الأعوام، ناهيك بتمكيننا من أن نستشرف إلى أين تسير (إسرائيل)، وما المنتظر من هذا المسير على الصعيدين الداخلي والخارجي.