هكذا إذًا النتيجة النهائية لأكثر من 23 عامًا من التفاوض، ومن مسيرة فاوض ثم فاوض؛ والحياة مفاوضات كما قال كبير المفاوضين في كتابه؛ حيث ستطرح أمريكا على السلطة الفلسطينية حكمًا ذاتيًا؛ لا أكثر ولا أقل.
حكم ذاتي طرحه قادة الاحتلال عند احتلالهم للضفة الغربية عام 67؛ بأنهم سيعطون الفلسطينيين لاحقًا حكمًا ذاتيًا؛ وليسموه ما شاؤوا؛ دولة، مملكة، إمبراطورية، فلهم ذلك؛ ولكنه حكم ذاتي فقط.
مصادر في واشنطن صرحت لوسائل اعلام، بأنّ الولايات المتحدة الأميركية تعد "ورقة خارطة طريق"، ستطرحها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قريبًا، تتضمن الأفكار والمقترحات الأميركية بشأن عملية التسوية؛ وكأن 23 عاما من الوعود الأمريكية لم تعد كافية لجولة جديدة من التخدير والضحك على الذقون.
المصادر قالت: إن المقترحات تشكل "خلاصة" الجولات التي قام بها مستشاري الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" "جاريد كوشنر" و"جيسون غرينبلات"، وحصيلة المحادثات التي أجرياها مع الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي" والأطراف العربية في أغسطس الماضي؛ وكان وعود حكام الإدارات الأمريكية السابقة بإقامة دولة فلسطينية؛ تبخرت، وكلام الليل يمحوه النهار.
ماذا تبقى من حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ فإدارة "ترامب "تتجه نحو تبني وجهة نظر رئيس وزراء الاحتلال " بنيامين نتنياهو"، ومواقفه بالكامل، وهو ما يتضح من الأفكار والمقترحات التي تتضمنها الورقة، حيث إن "أقصى" ما تقترحه الولايات المتحدة على الجانب الفلسطيني في المرحلة الحالية، هو "حكم ذاتي كامل، وليس حلّ الدولتين".
حكم ذاتي لأكثر من 12 مليون فلسطيني، هو ما يمثلهم في الداخل والشتات، في غزة والضفة والقدس والـ48، بينما دولة معترف بها دوليًا على الأرض الفلسطينية، هي دولة الكيان الاحتلالي؛ بقوة السلاح، في منطق وقلب للحقائق والسنن الكونية.
إذًا نتيجة مفاوضات طويلة وشاقة مع الاحتلال؛ حكم ذاتي مصغر، وحتى أنه لا حرمة للحكم الذاتي؛ فغدًا ستبقى تقتحم قوات الاحتلال مناطق "أ" التي هي من المفترض محرمة عليهم باتفاق "أوسلو"، ولكن لا حياة لمن تنادي؛ فمنطق القوة فوق كل شيء في هذه المرحلة العفنة من التاريخ الصعب للعرب والمسلمين والفلسطينيين.
لو كانت الإدارة الأمريكية جادة في أن تنصر الحق وأن تنصف الشعب الفلسطيني؛ لأجبرت "نتنياهو" على الانسحاب من الضفة وإعطاء دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني أسوة بكل شعوب الأرض قاطبة.
الإدارة الأمريكية بموقفها هذا؛ تتحيز بشكل أعمى وبالكامل لدولة الاحتلال على حساب الحق الفلسطيني الذي لا يختلف اثنان عليه؛ ومن هنا ليس من حق أمريكا بعد الآن أن تسأل لماذا يكرهوننا؛ فمن يقف مع الباطل يلعنه التاريخ ويلعنه اللاعنون.
الموقف الأمريكي الجديد؛ يستدعي من جميع القوى الفلسطينية؛ أن تعيد تقييم ما جرى؛ بروح النقد الإيجابي البناء؛ بعيدًا عن التعصب والتحيز، فمصلحة الشعب الفلسطيني؛ تبقى فوق المصالح الحزبية الضيقة مهما عظمت وكبرت.