لم تكن مهاجمة قوات أمن السلطة الفلسطينية لجنازة الشهيد عبد الفتاح خروشة منفذ عملية حوارة البطولية عملًا استثنائيًّا في تاريخها المعادي للمقاومة، بل إنه نهج مستمر متأصل فيها، وقد دلت كل السنوات الماضية على عدائها ورفضها واستهدافها لكل ما يمتّ للمقاومة بصلة، حتى لو كان نعش شهيد أو مسيرة تشييع..
مع العلم أن هذا الاعتداء البشع على جنازة تشييع الشهيد خروشة جاء بعد أيام قليلة فقط على قمة العقبة الأمنية، والوعود الامريكية والصهيونية للسلطة الفلسطينية بدعمها أمنياً، على خلفية تضعضع وضعها في الضفة الغربية، مما زاد من قلقها وقلق رعاتها على مستقبلها.
تزامن اعتداء قوات أمن السلطة الفلسطينية على جنازة تشييع الشهيد خروشة مع تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتزايد انتشار المقاومين بمخيمات اللاجئين، الذين نفذوا عمليات فدائية أوقعت عددا من القتلى في صفوف الاحتلال من الجنود والمستوطنين.
من الصعب أن نفصل ما حصل بحق مسيرة تشييع الشهيد خروشة بما ترتكبه السلطة الفلسطينية من جرائم متواصلة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية، ولا زالت الحملة مستمرة بحقهم، لاسيما كل من يرتبط اسمه بالمقاومة من بعيد أو قريب، حيث يتعرضون لهجمة شرسة تمثلت بالكثير من مظاهر الانتهاك، كالاعتقال حينا، واقتحام المؤسسات وإغلاقها حينا آخر، والتسبب بضرب المسيرة التعليمية، لاسيما الجامعية منها، من خلال التدخلات السافرة في شؤون الطلاب، وتحويل بعض الجامعات لمواقع أمنية عسكرية، وما يرافق ذلك من اقتحامات المنازل، وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة، إلى الاختطافات وإطلاق النار على الأفراد.
إن مهاجمة السلطة الفلسطينية للمسيرة تشييع الشهيد خروشة، ودون أن يتبع هذه الجريمة أي استدراك من قيادتها السياسية أو أجهزتها الأمنية، إنما يؤكد أننا أمام تطور نوعي وكمي حاصل في الاعتداءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، التي سجلت حالات كثيرة لا تحترم فيها تعاليم ديننا الحنيف، من خلال التعرض للمصلين، وتدمير مكتبات المساجد، والاعتداء على الملتحين، مما يتعارض مع القيم الوطنية والدينية والأخلاقية، بجانب الاختطافات المتكررة التي لا زالت تمارس بحق أبناء حماس في الضفة الغربية، مما يكشف عن روح عدوانية تجاه الحركة، وبما يتناقض مع ادعاءات الشراكة السياسية.
إن ما حصل من سلوك مشين أرعن تمثل باستهداف أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لجنازة الشهيد خروشة، بجانب مجريات الأحداث المتلاحقة في الضفة الغربية، تؤكد أن المسألة أبعد ما تكون عن كونها ردة فعل لما يجري من عمليات فدائية بطولية، بل إن حجم الاعتداءات وطبيعتها يكشف أنها تنفيذ لخطة معدة مسبقاً للنيل من كل ما له علاقة بالمقاومة في الضفة الغربية.
مع العلم أن الحملة الامنية المسعورة التي تشنها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضد المقاومين وأقاربهم، وحتى شهدائهم، تتم بالتنسيق الكامل مع الاحتلال الصهيوني، وما يدل على ذلك "تجميد" بعض العدوانات الصهيونية في بعض مناطق الضفة الغربية، والسماح لأجهزة السلطة الدخول بسياراتهم العسكرية لمناطق "C"، وقد نفذوا فيها حملات اختطاف ومداهمة واسعة، فضلا عن تصاعد حالات القتل والعربدة والاعتداءات في الضفة الغربية بحق أبناء حماس ومناصريها، تحت سمع الاحتلال وبصره وبحمايته، وبمباركة واضحة من المؤسسة الرسمية التي تشارك في هذه الأعمال الإجرامية.
صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تقوم قوات أمن السلطة الفلسطينية بمثل هذا الهجوم الأرعن والمرفوض وطنيا وإنسانيا بحق جنازات الشهداء، لكن ما حصل بالتزامن مع إدارة ظهر الاحتلال للسلطة، ورفضه إجراء أي حوار سياسي معها، إنما يؤكد أن سلوكها هذا مشين، باستهداف كل ما يمت للمقاومة بصلة، وهو انسلاخ غير مسبوق عن قيم شعبنا، ومبادئه، التي تربى عليها عقودا طويلة من الزمن.