أبدى البيت الأبيض اهتمامًا أكبر في منطقتنا العربية في الأسابيع الأخيرة، فتواجدت فيها شخصيات رئيسة متعددة، منها بلنكين وزير الخارجية، وسولفان مستشار الأمن القومي، واستن وزير الدفاع، وآخرون، وجلهم التقى قادة مصر والأردن (وإسرائيل)، فما سرّ هذا التواجد المكثف، وهذا الاهتمام الذي جاء مناقضًا لتوجهات أمريكية سابقة بالتخفيف من أعباء الشرق الأوسط، والتي كان من آثارها الخروج من أفغانستان، والتخفف من الوجود في العراق، وترك سوريا للنفوذ الروسي، وإعادة المفاوضات مع إيران.
ما من شك أن المشكلة الرئيسة لأميركا هي الصين، ثم روسيا، ولا تعدّ إيران مشكلة ذات أولوية لأميركا. الصين تزحف اقتصاديًّا لتوسيع نفوذها في المملكة السعودية ودول الخليج، وعدد من دول إفريقيا. وروسيا في حرب في أوكرانيا، وأميركا والغرب شركاء غير مباشرين في هذه الحرب. وقد لمست أميركا في الحرب أمران:
الأول ضعف روسيا، وعدم قدرتها على حسم المعركة لصالحها، ومن ثمة قررت تمديد زمن الحرب وصولًا لحرب استنزاف تزيد من ضعف روسيا، وتضع رئاسة بوتين على المحك.
والثاني أن أميركا أدركت خطر الصين من ناحية، وخطر تعاون روسيا مع إيران في المجال العسكري والاقتصادي، من ناحية ثانية، وهذا يتطلب منها تحجيم هذا التعاون، وذلك من خلال دول الشرق الأوسط، وهو أمر يقتضي وجودًا أمريكيًّا مكثفًا لهذا الهدف، ولهدف آخر هو منع توجه دول عربية نحو الصين وروسيا، بزعم أن أمريكا غادرت المنطقة، وأنها لا تحافظ على تعهداتها بأمن حكوماتها وأنظمتها.
البيت الأبيض المتواجد بممثليه من الشخصيات الكبيرة يقول لقادة الأنظمة العربية نحن على تعهداتنا بأمن المنطقة، ولن نغادرها، ولن ندع الصين تأخذ مكاننا وتملأ الفراغ، فثقوا بنا، ومن علامات هذه الثقة التي يحاولون استعادتها التفات البيت الأبيض للقضية الفلسطينية، وجمع الفرقاء وقادة الجوار في العقبة في لقاء أمني ترعاه أمريكا، مع تعهد أميركي ببقاء الدعم المالي للشركاء في اللقاء.
نعم، التواجد الأميركي في المنطقة ليست لديه خطة لحلّ القضية الفلسطينية، وإلزام (إسرائيل) بحل الدولتين، ولكنه باهتمامه الشكلي بها يعطي قادة الأنظمة العربية حجة أمام شعوبهم للقاء أميركا، والتعاون معها، حتى وإن كانت قضية فلسطين هامشية في جلّ لقاءات قادة العرب مع قادة البيت الأبيض. البيت الأبيض يريد أن يبقى مستحوذًا على المنطقة العربية، وبالذات دول الخليج، لذا هو يتواجد بكثافة في المنطقة، ولكن عينيه على أوكرانيا وعلى الصين وتايوان. ويبقى سؤال العربي: أين تقع مصالحنا كعرب في هذه المعادلات؟!