تستند سلطات الاحتلال في تجريد الفلسطينيين من منازلهم "الوقفية" في حي الشيخ جراح شرقي مدينة القدس المحتلة لصالح ما قانون "أملاك الغائبين"، حيث تعمد بعد وضع يدها على المنازل المهددة بالمصادرة إلى نقل ملكيتها لما يعرف بـ"القيم العام" الذي يقوم بالتصرف بها ونقل ملكيتها إلى عائلات يهودية.
وخلص باحثان مختصان بالشؤون المقدسية والإسرائيلية، إلى أن تلك الإجراءات أحد مداخل تنمية الاستيطان في أحياء شرقي القدس، وتحديداً في أحياء سلوان وبطن الهوا، وحي الشيخ جراح الأقرب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
واعتبرا في حديثين منفصلين لصحيفة "فلسطين"، أن انتصار المقدسيين في المواجهة الشعبية رفضاً للبوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، كان دافعاً لإطلاق يد المستوطنين لتعويضهم عن فشلهم بإرساء واقع جديد داخل المسجد.
فمن جهته، يرى الناشط المقدسي ناصر الهدمي، أن الموقع الاستراتيجي لحي الشيخ جراح المقدسي هو سبب مطمع الاحتلال في هذا الحي لتركز عليه "الآلة الصهيونية" ساعيةً إلى تفريغه من أهله بشتى السبل حتى وإن كان عبر أوراق مزورة.
ويقع حي الشيخ جراح المقدسي على ما يسمى "خط الهدنة" (الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 48 والأراضي المحتلة عام 67) "وهذا تسبب في وجود ثغرة قانونية استغلها الاحتلال الإسرائيلي ليزعم أن هذه الأراضي كانت له قبل عام 1949"، وفقاً للهدمي.
قضاء بمكيالين
وأوضح حقيقة الوجود اليهودي في منطقة الشيخ جراح، والتي كانت عبارة عن أراض لعائلة حجازي وغيرها من العائلات الفلسطينية، قبل 150 عاما، قامت بتأجيرها لليهود لمدة 99 عاماً انتهت في عام 1985.
وشرح الناشط المقدسي، أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي تقوم على استغلال هذه الثغرة القانونية للدخول إلى الأحياء المقدسية (العربية) وتمزيقها عبر بؤر استيطانية هنا وهناك، ما يهدد الأمن المجتمعي فيها.
ووفقاً لمعطيات إسرائيلية فقد زاد حجم الاستيطان بمدينة القدس بين عامي 2009 و2016، حيث بلغت الزيادة في أعداد المستوطنين قرابة 70%، وارتفعت نسبة الأراضي التي بنيت عليها مستوطنات جديدة 60%، خاصة بمناطق الشيخ جراح وبطن الهوى وسلوان.
وأفاد بأن الموقع الاستراتيجي للحي تولدت عنه أيضاً ثغرة جغرافية يسعى الاحتلال إلى سدها مستخدماً المستوطنين، عبر تزوير أوراق ملكية بتواريخ قديمة وقبول المحاكم الإسرائيلية بها وهي نفس المحاكم التي رفضت قبول دعاوى فلسطينيين لاسترداد أملاكهم غربي مدينة القدس رغم تقديمهم لأوراق ثبوتية.
وعلق الهدمي على هذا الرفض قائلاً:" رغم أنهم يمتلكون أوراقا ثبوتية صحيحة لممتلكات تعود لهم في أحياء غربية مثل حي الطالبة وحي القطمون وحي البقعة، رفض الاحتلال دعواهم ويطالب المقدسيين في شرقي المدينة بتطبيق القرار الذي رفضوه لأنفسهم".
وتابع: "ولأن المدعي يهودي والمخطط استيطاني قبلت المحاكم الإسرائيلية بدعواهم رغم علمها بأن الأوراق التي قدمها المستوطنون مزورة".
ولفت إلى وجود نزاعات شديدة مع القضاء التابع للاحتلال حول هذه المسائل لا سيما وأن عشرات العائلات المقدسية لا تزال مهددة بالطرد لا سيما في حي الشيخ جراح".
يسلب المستوطنون اليوم نحو 28 بيتا فلسطينيا بهذه المنطقة، وهناك 12 دعوى قضائية لإخلاءات جديدة ضد 51 عائلة فلسطينية قد تطرد إلى العراء قريبا، وخلال عمليات الإخلاء تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلية الغاز المدمع والقنابل الصوتية والاعتقالات.
تهديد وجودي
وفي سياق متصل، أكد الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية فرحان علقم، على أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي في طرد المقدسيين من منازلهم هي سياسة قديمة خبت قبل هبة القدس الأخيرة لتعاود بعدها "الهيجان" من جديد.
وقال: إن الهدف من طرد المقدسيين وإحلال المستوطنين مكانهم "تخفيف حدة الاحتقان في الساحة الداخلية الإسرائيلية بعد انتصار المقدسيين في هبتهم".
وبين أن الاحتلال ومن خلال طرد العائلات المقدسية "يريد إيصال رسالة للمقدسيين بأن وجودهم في المدينة المقدسة مهدد وغير دائم".
وكانت سلطات الاحتلال طردت في الخامس من الشهر الجاري عائلة شماسنة من منزلها في زقاق معروف باسم "كبانية أم هارون" في حي الشيخ جراح، في حين ما زال خطر الطرد والإخلاء يتهدد 45 عائلة في المنطقة ذاتها.
ولفت علقم إلى أن انشغال الأمة العربية بمشاكلها الداخلية والإقليمية وغياب الدور الرسمي الفلسطيني رغم أهميته في تفعيل قضية التهجير في المحاكم والمحافل الدولية، سمحا للاحتلال بالتمادي في طغيانه.
واعتبر إجراءات سلطات الاحتلال العنصرية ضد العائلات المقدسية، يسعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لاستغلاله حتى يؤكد للمستوطنين "زعامته الفريدة" لليمين المتطرف ويلفت الأنظار بنفس الآن عن ملفات الفساد المتعلقة به وبأسرته.
وفسر قبول القضاء الإسرائيلي بدعوى المستوطنين رغم تزويرهم أوراق الملكية ورفضه دعوى المقدسيين لاسترداد أملاكهم في الجزء الغربي من المدينة بأن المنظومة الإسرائيلية تعمل كجبهة واحدة حين يتعلق الأمر بالفلسطيني وبالتالي القضاء ذراع للاحتلال ولا يحمل أي نزاهة وحيادية في النظر بالقضايا الفلسطينية.