ليلة عصيبة عاشها أهل بلدة حوارة جنوب نابلس أول أمس، ومعهم آلاف من الفلسطينيين في شمال الضفة، الذين أمضوا ساعات طويلة عالقين في الطرقات، بعد أن حالت حواجز جيش الاحتلال واعتداءات المستوطنين دون وصولهم إلى أماكن سكناهم.
التطور الذي حصل بعد عملية حوارة كان خطيرًا للغاية، والذي تمثّل في شنّ مئات من المستوطنين هجمات إرهابية على منطقة حوارة، أسفرت عن شهيد وعشرات الإصابات وإحراق نحو مئة مركبة، وعشرات المنازل، ما بين حرق كليّ وجزئيّ، وقد استمر الهجوم عدّة ساعات، مدفوعًا بإذن من جيش الاحتلال وتشجيع وزراء الحكومة الصهيونية وخاصة إيتمار بن غفير وسموتريتش، حيث لم يحاول الجيش منع المستوطنين من هذه الهجمة الإجرامية، كما كان دأبه في السابق، حين كان يبدي سلوك الجيش النظامي، فهذه المرة كان شريكًا ومشجعًا ومساندًا، فما كان ليد المستوطنين أن تنطلق إلى هذا الحد دون ضوء أخضر من المستويين العسكري والسياسي في كيان الاحتلال، إذ كانت الرسالة التي اهتم كيان الاحتلال بإيصالها واضحة: عنفٌ كبير لا يوقفه شيء ولا تمنعه ضوابط، لإحداث ردع كبير يطال نفوس الجمهور الفلسطيني ووعيه، ليس في الشمال فقط، بل في عموم الضفة الغربية، وكل فلسطين، لأن هذه الحكومة تريد أن تؤكد أنها مختلفة عن سابقاتها في السياسات الحاسمة وتنفيذها المباشر، وفي التحلل من أي كوابح أو خطوط حمراء في ردّها على عمليات المقاومة أو عدوانها على الفلسطينيين.
بلدة حوارة، تعدّ خاصرة رخوة فلسطينيًّا، فهي ليست في عمق الضفة، إنما في مربع أمني صهيوني، حيث تطلّ عليها عدة مستوطنات مثل (هار براخا) و(يتسهار)، وفيها معسكر حوارة الإسرائيلي، وشارعها الحيوي الذي وقعت العملية وسطه، يقع بين حاجزي زعترة وحوارة العسكريين، حيث التفتيش والتنكيل اليومي بالفلسطينيين عليهما، أي أن المنطقة بمثابة ثكنة عسكرية صهيونية للجيش والمستوطنين، فأن تقع عملية نوعية فيها، وفي وضح النهار، فإن هذا يعني أن منسوب التحدي المقاوم للاحتلال قد ارتفع كثيرًا، ومن شأنه أن يحمل شبانًا آخرين على تكرار فعل مشابه في منطقة مليئة بالأهداف وتجمعات الجيش والمستوطنين، وهو ما سيعني تهتّك المنظومة الأمنية في تلك المنطقة الحساسة والخطيرة والمهمة بالنسبة للاحتلال.
لكنّ رسالة الردع ليست هي الوحيدة المنبثقة عن هجمة المستوطنين الإرهابية، ثمة ما يشي به الحدث من إرهاصات حول شكل الصراع في الضفة الغربية في قادم الأيام، ومع هذه الغطرسة الإجرامية لوزراء حكومة الاحتلال، فالضفة الغربية اليوم باتت ميدانًا مستباحًا للمستوطنين، فإذا استثنينا عمق الضفة، فإن لتجمعات وحركات الاستيطان المسلحة والمدربة قدرة على ضرب تجمعات سكانية كبيرة وعلى إغلاق طرق رئيسة وقطع أوصال الضفة تمامًا، وفعلها في حوارة أول أمس قد يتكرر لاحقًا في مناطق أخرى، وخاصة في المناطق المكشوفة والقريبة من المستوطنات والطرق الالتفافية، في مساعٍ واضحة لتهجير الناس وإرهابهم بالمجازر والاعتداءات الواسعة، وهو ما يعيد إلى الأذهان أسلوب عصابات الإجرام الصهيونية كالأرجون والهاجاناة في افتعال المجازر قبيل احتلال فلسطين، لتهجير أهلها والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم.
في المقابل، ينبغي ألا ننسى أن حال الفلسطيني اليوم مختلف عن حاله وقت النكبة، أو هذا ما يفرضه سيل التجارب والخبرات التي راكمها في وعيه وثقافته واستعداده على مرّ عقود الاحتلال، وما أدركه من مكامن قوته ونقاط ضعف عدوّه، وخاصة قطعان المستوطنين، فالمستوطن جبان بطبعه، ولا يمكن أن يهاجم إلا العزّل، أي وهو مطمئن إلى غياب السلاح من يد الفلسطيني، فيما تتكفل بضع رصاصات بتفريق مئات من المستوطنين وإعادتهم إلى جحورهم.
بعيدًا عن كل الكلام المباشر وغير المباشر، المحلل والغاضب والمستغيث، كلمة السرّ في الضفة الغربية اليوم هي السلاح، وحين يكون السلاح موجودًا فلا يصح الطلب من الناس مواجهة الإرهاب الصهيونيّ المسلّح بصدورهم العارية، ولن نتحدث هنا عن سلاح الأجهزة الأمنية، فهي توشك أن تصبح جزءًا من تشكيلات ووحدات جيش الاحتلال، ورأينا كيف هاجمت المتظاهرين الفلسطينيين الذين حاولوا الوصول إلى ما يسمى (قبر يوسف) خلال هجوم المستوطنين على حوارة!
بل المقصود هنا كل سلاح آخر موجود في الضفة، سواء أكان للعشائر، أم لعناصر الفصائل والتشكيلات العديدة، وبعضها يقول: إن عناصره المسلحة تعدادها المئات، ما جدوى السلاح إن لم يقف مدافعًا عن الناس أمام اعتداءات المستوطنين؟ وما فائدته إن اختبأ ومنازل الناس تُحرق وتنتهك؟ مكانه في هذا الموضع أجدى من حضوره أمام الآليات العسكرية المصفحة، واقترابه من المعتدين أنفع من مشاغلتهم به من مسافات بعيدة. أما سلاح العشائر -وهو كثير جدًا في عموم الضفة- فهو آثم وجبان وخائن إن ظلّ منخرساً أمام العدو، ومنطلقاً في مشاكل الثأر والعربدة الداخلية، وآن الأوان أن يبادر الأحرار لتحريره وتجريد أيدي الجبناء والزعران منه. وإلا فلتنتظر كل مناطق الضفة ليالي أكثر دموية واشتعالاً من ليلة حوارة المؤلمة.