يوما بعد يوم تتسع الفجوة بين أقوال الاحتلال وأفعاله في التعامل مع المقاومة، وتصاعدها، وكان آخرها عملية حوارة، التي أصابته في مقتل أمني وسياسي، فضلًا عن الإخفاق العسكري والفشل العملياتي، لأنها مثلت ذروة العمليات التي رافقت تشكيل الحكومة الفاشية الحالية، ولعل ذاكرة الإسرائيليين لم تصدأ إلى درجة أن ينسوا اتهامات بنيامين نتنياهو ورفاقه لأسلافهم بالضعف في مواجهة المقاومة، في حين أن أداءهم اليوم لا يقل ضعفا عنهم، إن لم يكن أكثر، بغض النظر عن الصرخات المدوية والتهديدات الجوفاء.
لقد قادت كتلة اليمين الفاشي بزعامة نتنياهو حملة متكاملة ضد حكومتي نفتالي بينيت ويائير لابيد، واتهمتها بالضعف أمام المقاومة، والتراخي في ظل الوضع الأمني في ذلك الوقت، ومع ذلك، وفي غضون شهر واحد فقط منذ عودته للعمل رئيساً للوزراء، كان عدد القتلى الإسرائيليين في عهد نتنياهو هو نصف عددهم تقريبًا خلال فترة الحكومتين السابقتين بأكملهما، أي طيلة 2022، ويا للمفارقة!
حاول نتنياهو الاستعاضة عن فشله في مواجهة عمليات المقاومة بتمريره موافقة اللجنة الوزارية للتشريع على اقتراح حزب العصبة اليهودية بزعامة الفاشي إيتمار بن غفير بتنفيذ عقوبة الإعدام لمنفذي الهجمات الفدائية، مع العلم أن نتنياهو ذاته وحكومته أعاقا على مر السنين الاقتراح نفسه مرارًا وتكرارًا بسبب موقف مسؤولي الأجهزة الأمنية، بمن فيها جهاز الأمن العام-الشاباك، الذين أكدوا أن عقوبة الإعدام لن تحقق الردع، بل ستخلق دافعًا للانتقام، وحتى المبادرة لتنفيذ عمليات اختطاف ضد الإسرائيليين جنودًا ومستوطنين.
ولذلك فمن الصعب، حتى في الأوساط الإسرائيلية ذاتها، تصديق أن الحكومة الحالية ستكون قادرة على فعل ما لم يتمكن الآخرون من القيام به، لكن المسارعة لإقرار والمصادقة على مشروع قانون عقوبة الإعدام مجرد صورة طبق الأصل عن الواقع القاسي الذي يكابده الإسرائيليون من المقاومة وتصاعدها، وضربها في كل الاتجاهات.
لقد تشكلت هذه الحكومة قبل شهرين، وانتقد جميع وزرائها، بمن فيهم نتنياهو نفسه، بشدة تكرار الهجمات في عهد أسلافهم بينيت ولابيد، واتهموهم بالضعف والتراخي في مواجهة المسلحين الذين نفذوا الهجمات، وأطلقوا اتهامات من قبيل "ضعف بينيت ولابيد يكلّف أرواح الإسرائيليين، الحكومة تتخلى عن النقب للإسلاميين، دم اليهود بات مهدورًا بسبب الحكومة، إلى متى نُداس، والاحتفاء بانعدام الحكم ورد الفعل".
اليوم وخلال أقل من شهرين فقط من ولاية الحكومة، ومع تصاعد عمليات المقاومة، وآخرها حوارة، تتأكد الحقيقة الماثلة أمام الاحتلال أنه لا يوجد حل سحري لوقف الهجمات الفدائية، بغض النظر عن الحكومة القائمة: من اليسار أو اليمين أو الديني أو العلماني، هذه حقيقة تثبتها الوقائع على الأرض، حتى لو كابر الاحتلال، وأبدى رفضه العلني الاعتراف بها!