تقرير/ يحيى اليعقوبي:
عُثر على المُدرسة نفين عواودة ( 36 عاما) مقتولة أسفل البناية السكنية التي تقطنها في مدينة بيرزيت بمحافظة رام الله في منتصف يوليو/ تموز الماضي، وذلك بعد اختفائها لمدة خمسة أيام، فقد بدأت مشكلتها قبل أربعة أعوام عندما اكتشفت فساداً إدارياً ومالياً بالمدرسة الثانوية التي تقع في منطقة دورا بالخليل، وحاولت مواجهة الأمر الذي ما لبث أن فجر خلافا بينها وبين إدارة المدرسة.
إدارة المدرسة وبدعمٍ من مجموعة من أمناء حركة فتح وضباط بالأمن الوقائي، قاموا بتهديدها، كما تحدثت عواودة عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وبأن تلك الجهات زرعت برامج تجسس في حاسوبها الشخصي، وبدؤوا بتشويه سمعتها وتلفيق تسجيلات صوتية لها، مما دفعها للاستقالة، وتقديم شكاوى إلى وزارة التربية والتعليم، ووحدة مكافحة الفساد، وهيئة القضاء العسكري.
مثار شك
المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية المحتلة عدنان الضميري أعلن مؤخراً عن ملابسات مقتل المواطنة نيفين عواودة التي عُثر على جثتها مساء 15 يوليو الماضي ببلدة بيرزيت.
وذكر الضميري في مؤتمر صحفي عقده بمقر وزارة الإعلام برام الله أن قاتل عواودة هو شاب عشريني من محافظة رام الله يعمل سائقًا على طريق رام الله-بير زيت، ونفذ جريمته بدهسها على طريق المزرعة الغربية شمال رام الله.
وتابع أن عواودة كانت تسكن في سكن لطالبات الجامعة ولم يكن في السكن أي طالبات، وقام المتهم (السائق) بتوصيل المغدورة إلى سكنها وطلب مساعدتها في حمل الأغراض إلى شقتها في الطابق السادس من البناية، ومن ثم أقنعها بالخروج للتنزه معه.
وقال: "المغدورة خرجت مع المتهم إلى طريق المزرعة الغربية وحاول الاقتراب منها في بداية الأمر إلا أنها صدته، ومن ثم ضربها بالمركبة بالغيار الثالث ما يثبت أنه كان مسرعًا، فوقعت على الأرض وأثبت الطب الشرعي أن جسمها ارتطم في جسم صلب".
وأضاف "حمل المتهم المغدورة وذهب بها إلى الشقة وكانت لا تزال على قيد الحياة وحاول اسعافها ولم يستطع، فقام بقفل الغرفة من الخارج وذهب، ثم عاد بعد يومين فاشتمّ رائحة كريهة وقام بفتح الشقة وإنزالها ووضعها بجانب العمارة أسفل إحدى النوافذ، ووضع عليها أدوات عمل وانصرف"، موضحا أن حارس العمارة أبلغ الشرطة بوجود الجثة أمام البناية السكنية.
تشكيك واستفهام
والد نيفين أبدى عدم اقتناعه برواية الضميري وقال: "إنها رواية غير مقنعة البتة؛ وتفاصيل رواية الدهس تتعارض مع طبيعة مكان الحادثة الذي تتحدث عنه الأجهزة الأمنية في مزارع النوباني، ومن يعرف نفين جيداً يدرك أن شخصيتها قوية ومن المستحيل أن تخرج ليلاً مع شخص للتحدث خارجًا، كما أن أحداً لم يشتم رائحة الجثة في المكان الذي وجدت به رغم أن البناية المجاورة لا تبعد سوى ١٠ أمتار؟
المهندس فايز السويطي رئيس جمعية "يداً بيد نحو وطنٍ خالٍ من الفساد" طرح عدداً من الأسئلة المنطقية على صفحته الشخصية على (فيس بوك) وطالب الضميري بالإجابة عنها: "هل الطب الشرعي في فلسطين ضعيف لدرجة انه لا يميز بين الدهس و"السقوط من علو" كما أبلغتم والدها في حينه؟ كيف مكثت جثة الفتاة مدة 8 أيام في سكن الطالبات ولم يشتم رائحة جسدها أحد، مع العلم ان جسد الميت يتحلل في اليوم الثاني وتنتشر رائحته، بعد ان دهسها القاتل بسيارته أيهما أسهل لإخفاء الجريمة ترك الجثة مكانها والفرار أم حملها وإعادتها إلى الشقة وهي مضرجة بالدماء؟ كيف خطر على بال القاتل اسعافها بعد ان دهسها.. هل القاتل المجرم حنون؟".
وطرح السويطي مزيدا من الأسئلة: "أين كان حارس العمارة؟ لماذا لا يوجد آثار للدماء على مصعد ودرج العمارة أثناء حملها حسب روايتكم؟ هل يعقل أن يكون المجرم دائم الحديث عن ضحيته كما أشار الضميري؟، رفعت المغدورة قضية فساد على بعض المسؤولين واقرت بصحتها هيئة مكافحة الفساد...هل تم معاقبة الفاسدين؟ أم ضحى الفاسدون بالمغدورة؟"
روايات مشابهة
الناشط الحقوقي بلال الملاح ربط بين جريمة عواودة و روايات كثيرة من أجهزة أمن السلطة حول الكثير من جرائم القتل التي حدثت بالضفة، التي سقطت في النهاية أمام القضاء، نتيجة عدم اكتمال الأدلة، وعدم قدرتها على البحث والتحري بشكلٍ دقيق، وبالتالي انتهت تلك القضايا بالإفراج عن الجناة ببراءة؛ وإخلاء سبيلهم وإغلاق الملف ضد مجهول لعدم اكتمال التحقيقات.
وحذر الملاح في حديثه لصحيفة "فلسطين" من أن تكون رواية الأجهزة الأمنية مثل سابقاتها لا يوجد لها سندات حقيقية وبالتالي تسقط أمام القضاء ولا يستكمل التحقيق، لأن القضاء يتعامل ضد أدلة دامغة ضد المتهم، لافتا إلى أن الاعتراف بالجريمة لم يعد بالضرورة سيد الأدلة، إذ يجب أن يكون هناك أدلة أخرى تقترن مع الاعتراف.
فمن المفترض، وفق الناشط الحقوقي، أن تبقى القضية مفتوحة ولا تغلق، مردفاً: "إذا عرضت القضية على المحكمة وتبين أن المتهم (السائق) ليس القاتل، فإنه يتوجب البحث عن القاتل الحقيقي، خاصة أن الكثير من المواطنين ليسوا مقتنعين برواية الأجهزة الأمنية التي أرجعت الجريمة لأسباب شخصية مع سائق".
تقصي حقائق
فيما كشف مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فريد الأطرش أن الهيئة تستمر في إجرائها تحقيقاً لتقصي الحقائق حول الجريمة، مشيرا إلى أن هيئته تواصلت مع كل الجهات التي تواصلت معها العواودة قبل مقتلها، وأنها ستصدر التقرير النهائي حين اكتمال الصورة.
وقال الأطرش لصحيفة "فلسطين": "التقرير لم ينته بعد، وهو يركز على الجهات التي تابعت معها نفين القضية، والأشخاص الذين حاولوا اغلاق القضية ولم يتابعوها، وكيفية الاستفادة من مثل هذه القضايا".
وتابع: "غايتنا الوصول للحقيقة، وننتظر الاطلاع على التحقيقات والالتقاء مع المتهم، ومتابعة الوقائع الواردة في تحقيق أجهزة أمن السلطة التي يجب أن تكون مطابقة للتقارير الموجودة لدينا، وأي رواية لا تتوافق مع الحقيقة والواقع فإن القضاء صاحب الكلمة الأخيرة فيها ".
موقف العائلة
ابن عم المغدورة عاطف عواودة قال لصحيفة "فلسطين": "نحن كعائلة نعتقد أن رواية أجهزة أمن السلطة رواية غير مقنعة، إذ إن الأجهزة منذ مقتل نفين لم يصرحوا بأي شيء ولم يوحوا بوجود جريمة قتل".
وأضاف: "منذ فترة زرنا تلك الأجهزة التي لم تصدر تصريحا رسميا حول مجريات التحقيق منذ شهرين ونصف، وقالوا إن لديهم مبررات لعدم الكشف عن الحقيقة"، مشيرا إلى أنه لم يكن لديهم أي احتمال أن يكون القاتل من تلك المناطق، إذ كان الاعتقال له علاقة بالفساد والأشخاص الذين واجهتهم نفين في قضايا الفساد.
وتابع: "ننتظر رد القضاء بالوقت الحالي، التزمنا الصمت بشأن القضية لمدة شهرين ولم نتهم أي شخص، سواء إن قتلت بشكل مباشر أو غير مباشر، أو أن يكون هناك شركاء آخرون بالجريمة، لذلك ننتظر اكتمال التحقيقات ورد القضاء"، مستدركا "ننتظر رد القضاء حسب النظام الفلسطيني، واذا استفاد الجاني من أي جهة أو واسطة فسيكون لنا ردنا كعائلة".
رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق سامي صرصور الذي أقيل بقرار من رئيس السلطة محمود عباس قال من ناحيته "بغض النظر عن جريمة العواودة، لكن القضاء بالضفة حسب تجربتي الطويلة معه يعيش في حالة يرثى لها، وتدخل السلطة فيه ملموس بشكل واضح للجميع".
وأضاف صرصور لصحيفة "فلسطين": "القضية أصبحت رأياً عاماً، لكن لا يجوز حاليا توجيه أصبع الاتهام لأحد"، موضحا أن القضية في مرحلة التحقيق الابتدائي ولا يمكن الحكم فيها، كما أن الأمور لم تتبلور بعد حول وجود جهة معينة لها علاقة بالجريمة كجهة متورطة بالحادث، باعتبار أن التحقيق يأخذ دوره، وسيكون هناك مداخلات من فريق الدفاع عن المتهم.
ناشطون يسخرون
كما شكَّك الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بصحة رواية أجهزة أمن السلطة ، فكتبت (AShraf AL-Nabali )"مين حضر #الفيلم_الهندي ؟!؟، ووافقته الرأي الناشطة (آلاء العملة) فكتبت "مش عاجبتني القصة .. ألفوا اشي جديد"، فيما تهكم الناشط (طارق يوسف"، بمنشوره " عاااجل: تعلن حكومة دولة كوكب بلوتو عن حاجتها لمخرج فيلم حادث السير في كوكب الأرض، وذلك من أجل تلفيق وضبضبة مسألة اغتيال الرئيس البلوتوي هناك".
"تحقيقات الأمن بخصوص قضية #نيفين_عواودة غير مقنعة لعدد كبير من الناس.. هذه أزمة بحد ذاتها تحتاج إلى تحقيق من نوع آخر" وهذا للناشطة (Suheib Alassa )، فيما كتب الناشط صلاح الدين عواودة "قصة مفبركة ليست فبركة احترافية بل فبركة هاوي واقرب لفبركات الأطفال أمام والديهم للتغطية على جريمة قاموا بها".
فيم اتهم الناشط (Qamar Taha) السلطة بشكل مباشر بالجريمة فقال بمنشوره "ع مين بضحكوا؟؟ نيفين عواودة قتلت بدم بارد على أيادي أتباع "السلطة" وبدورها لفقت التهمة لشخص براني ليتعاقب ويسكروا الملف".